ذكريات شاعر مناضل: 38- تاريخ المنظمات الشيوعية

38- تاريخ المنظمات الشيوعية


لم يكن وجود نشاط شيوعى فى مصر بالأمر الجديد أو الطارئ، فهو يرجع إلى عهد متطاول فى القدم. وقد درج الباحثون فى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية على تقسيم هذا التاريخ إلى ثلاث مراحل:
الأولى: هى المرحلة الممتدة من سنة 1920 إلى سنة 1927، وهر مرحلة قيام الحزب الشيوعى القديم فى سنة 1920، وانتهت بحلة سنة 1924، واندثاره سنة 1927. وكان هذا الحزب قد قام بصفة قانونية وعلنية مع حركة النهضة الديموقراطية التى أعقبت ثورة 1919، وشارك بدور ملحوظ فى أحداث تلك الثورة، فى النشاط الوطنى والديموقراطي، ثم فى الحركة العمالية، وفى قيادة نضالها الوطنى والاقتصادى.  غير أنه وقع فى بعض الأخطاء نتيجة للتطرف اليسارى، مما أدى إلى اصطدامه بالحكم الوطنى الذى قام بعد الثورة برئاسة سعد زغلول باشا. الذى أصدر قراراً بحل الحزب، وملاحقة ومحاكمة قياداته وأعضائه، وإلقاء الكثيرين منهم فى السجن، حتى مات من مات منهم، وفى مقدمتهم المحامى الشاب انطون مارون السكرتير العام للحزب، وبقاء الآخرين لسنوات طويلة فى السجن. وفى سنة 1927 كان نشاط هذا الحزب قد اندثر أو كاد، ولم يبق منه إلا عدد محدود ومبعثر من الأعضاء الذين شاخوا، وظلوا كامنين إلى أن عثرت عليهم بعض منظمات المرحلة الوسيطة.
ومما يذكر أن هذا الحزب كان عضواً فى الكومنترن، وهى المنظمة الدولية للأممية الثالثة للشيوعية، وكان له مندوب فيها إلى ما قبل فترة حله.
والثانية: هى المرحاة الممتدة ما بين سنة 1940، بداية  وجود المنظمات الشيوعية الجديدة فى أوائل الحرب العالمية الثانية، وعام 1965، عند صدور قرارى حل الحزبين الشيوعيين الجديدين الذين ضما سائر المنظمات الشيوعية فى تلك المرحلة الوسيطة.
 والثالثة: هى المرحلة الأخيرة من مراحل النشاط الشيوعى، الذى قام، بعد حل حزبى المرحلة الوسيطة، والتى تمتد من عام 1965 إلى أوائل الثمانينات.
 والذى يعنينا فى المقام الأول، والذى يتصل بالخلفية السياسية لهذه الذكريات، هو أن نعرض لوضع المنظمات الشيوعية فى المرحلة الوسطى، وبيان أوضاع تلك المنظمات عند قيام الوحدة بين ح.م وإسكرا، بأكبر قدر ممكن من الاختصار والتركيز.
-كانت تلك المنظمات القائمة وقتذاك، كالآتى:

1- جماعة الفجر الجديد:
وهى مجموعة من الأفراد المتأثرين بالفكر الشيوعى، جمعها "بول جاكودى كومب" الناشط اليهودى اليسارى، ولم يكن لهذه الجماعة اسم معين فى البداية، والأسم الذى أطلقاه عليها هنا هو الذى أطلقه عليها بعض الباحثين، إذ أن أفرادها لم يكونوا يرغبون فى تعريف جماعتهم بأى اسم، ولم يكونوا -حسب تصريحات بعضهم، يعترفون بأنهم يريدون تأسيس منظمة شيوعية. لذلك فقد أطلقت عليهم أسماء أخرى كثيرة منها:طليعة العمال، د.ش (الديموقراطية الشعبية)، ع.ف -العمال والفلاحين، وغيرها.
 بدأت هذه الجماعة فى عام 1942 بالحلقة الدراسية التى أسسها بول جاكو دى كومب، والتى كانت مكونة من ثلاثة أشخاص هم: صادق سعد، وريمون دوبك، ويوسف درويش. وثلاثتهم من اليهود المصريين. ثم بدأ هؤلاء يضمون إليهم بعض المصريين، من العمال: محمود العسكرى، محمد يوسف المدرك، طه سعد عثمان، ومن المثقفين: أحمد رشدى صالح، وأبو سيف يوسف. ومن هؤلاء جميعاً، تكونت النواة القيادية لهذه الجماعة. وقد قام نشاط هذه الجماعة على الأسس الآتية:
-من الناحية الفكرية: كانوا يرون أنه لا توجد شيوعية بصورة مجردة، لذا يجب مراعاة الطابع القومى الخاص، والشخصية المتميزة والخاصة بمصر.
 -ومن الناحية السياسية: لم يكونوا يعلنون عن أنفسهم كتنظيم شيوعى، بل كانوا يكادون يحصرون نشاطهم فى العمل فى وسط الشباب الوفدى، لبث الأفكار اليسارية بينهم، على أمل أن يتمكنوا من إيجاد جناح يسارى داخل حزب الوفد. وبالنسبة للعمال، كانوا ينشطون فى إطار نقابى، ولا يسعون إلى تكوين كادر عمالى شيوعى، بل إلى تكوين قيادات نقابية.
 -ومن ناحية أسلوب النشاط: فقط كانوا يقصرون عملهم على العمل الديموقراطى العلنى، فعملوا فى نطاق "لجنة نشر الثقافة الحديثة"، ثم أصدروا مجلة "الفجر الجديد"، وكانت تصدر أولاً نصف شهرية، ثم أصبحت تصدر أسبوعية ابتداء من أول نوفمبر 1945.
وقد لعبت "الفجر الجديد" دوراً تقدمياً هاماً فى تلك الفترة وكتبت فيها شخصيات هامة من مختلف التنظيمات -وقد نشرت لى فى عام 46 عدة قصائد، منها قصيدة "غداً" التى سبق ذكرها، كما نشرت قصائد لكمال عبد الحليم. وكان رئيس تحرير هذه المجلة هو الكاتب والأديب: أحمد رشدى صالح. كذلك أنشأت هذه الجماعة دار نشر اسمها "دار القرن العشرين" أصدرت كتباً عديدة عن الواقع المصرى.
وقد ظلت جماعة الفجر الجديد تمارس نشاطها الديموقراطى العلنى، على النحو الذى ذكرناه، إلى أن جاءت حملة صدقى فى "يوليو سنة 1946، وشملت الحملة فيما شملت القبض على عدد من قادتها، وإغلاق مجلتها "الفجر الجديد" -ودار نشرها، وبعد انتهاء هذه الحملة والإفراج عن معتقليها، تحولت الجماعة فى أسلوب عملها بنسبة 180 درجة، ونبذت العمل العلنى الديموقراطى تماماً، وتحولت إلى العمل السرى بالكامل.

2- منظمة الإسكرا "الشرارة":
وإسكرا- أى الشرارة، باللغة الروسية هو اسم المجلة التى أصدرها لينين فى روسيا قبيل الثورة البلشفية، والتى مهدت لقيام تلك الثورة.
وقد أسسها "هليل شوارتز" وهو يهودى مصرى، بعد أن اختلف مع هنرى كورييل، ومارسيل إسرائيل، اليهوديان كذلك، وكان ثلاثتهم يعملون معاً فى منطقة "الاتحاد الديموقراطى"، التى كانت تعمل فى مجال النشاط المعادى للفاشية والنازية أثناء الحرب. وكانت نقطة الخلاف هى حول موضوع التمصير، إذ كان كورييل يرى ضرورة نقل النشاط من العناصر الأجنبية إلى المصريين، بينما كان شوارتز يعارض ذلك، ويرى أن الدعوة إلى التمصير هى دعوة شوفينية لا تتفق مع الماركسية ونظرتها الأممية. وكان شوارتز يدعو إلى نظرية المراحل، وهى البدء بالعمل فى وسط الأجانب، ثم المثقفين المصريين، ثم العمال.
لذلك -وفقاً لرأى شوارتز، بدأت أسكرا ولفترة طويلة تعمل على تجميع الأجانب، حتى بلغ عددهم فيها -قبل الوحدة- 400 عضو من 900: عدد أعضاء المنظمة. وظل الأجانب يسيطرون على المراكز القيادية، بينما كان تصعيد العناصر المصرية يتم ببطء شديد، بحيث أنه -قبل الوحدة- لم يكن فى اللجنة المركزية غير اثنين من المصريين: شهدى عطية، وعبد المعبود الجبيلى، اللذين صعا إلى تلك اللجنة قبل الوحدة بوقت قصير. وكان الطابع الغالب لتكوين أسكرا هو الأجانب، والعناصر الميسورة من المثقفين والطلبة، بينما كان عدد العمال قليلاً. وكانت فترة الترشيح للعضوية طويلة، وكانت عملية التثقيف تشمل عدداً كبيراً من الكتب النظرية، فى الفلسفة، والاقتصاد، والاستراتيجية، والتاكتيك.. وما أشبه.
ومع ذلك فقد قامت إسكرا بنشاط واسع بعد تأسيس "دار الأبحاث العملية" التى كانت منتدى ثقافياً ناجحاً، وكان مقرها 7 شارع نوبار بمنطقة لأظوغلى، وكانت تعقد فيها ندوات وتلقى محاضرات أسبوعية فى مختلف الموضوعات السياسية والاجتماعية الهامة، تعقبها مناقشات واسعة. وكان يلقى هذه المحاضرات: شهدى عطية، عبد المعبود الجبيلى، منير ملطى، العيوطى، عبد الرحمن الناصر، جمال غالى، جمال شلبى، لطفية الزيات، وغيرهم. وكانت هذه الندوات والمحاضرات تجذب عدداً كبيراً من المثقفين. وقد تردد الكثيرون عليها، ومنهم من أصبح له دور هام فى الحياة المصرية فيما بعد، مثل: د. مراد غالب، د. إبراهيم حلمى عبد الرحمن.. وغيرهما.
 وفى أكتوبر 1945 أصدر شهدى عطية، وعبد المعبود الجبيلى كتاباً هاماً بعنوان "أهدافنا الوطنية"، وكان لإسكرا نشاط ملموس فى اتحاد خريجى الجامعة، وفى مجلة الطليعة التى كان يصدرها الاتحاد. كما كانت تضم عدداً من المعيدين والطلبة فى كلية العلوم، وكذلك فى كليتى العلوم والطب بالإسكندرية ووصل عدد الطلبة فى أسكرا قبل الوحدة إلى 300 طالب. ولكن نشاطها بين العمال ظل ضعيفاً جداً.
ومن أهم الأعمال التى قامت بها إسكرا، إصدار مجلة "الجماهير" فى أبريل 1947، وقام شهدى بالدور الرئيسى فيها، وظهرت قبل الوحدة بشهرين، وكان أعضاء أسكرا يشاركون فى توزيعها -إلى جانب التوزيع العادى، وقد اشترك كثير من أعضاء ح.م بالجامعة فى توزيع الجماهير، كعمل من أعمال التنسيق الكفاحى بين المنظمتين كخطوة على طريق الوحدة، وكنت أنا واحداً من هؤلاء. كما أننى نشرت فى المجلة بعض قصائدى، وكذلك نشر كمال عبد الحليم بعض أشعاره.
لقد كان النشاط العلنى لأسكرا -نشاطاً مشرفاً، وشاركت فيه عناصر ثورية كثيرة من الكوادر المصرية، على رأسهم شهدى عطية وآخرون. وكانت لجنتها المركزية عند الوحدة مكونة من: شوارتز، إيلى ميزان، سيدنى سلامون، عزرا هرارى، وارمان بريس، وشهدى عطية، عبد المعبود الجبيلى، ولم يوجد فيها أحد من العمال أو الطلبة. ولذلك فإن هذه المنظمة رغم نشاطها الجماهير الواسع، فإنه كان يشوب تنظيمها عيب أساسى هو تكوينها أساساً من أجانب ومثقفين وطلبة، من البورجوازية، والبورجوازية الصغيرة، وكان ذلك مصدراً أساسياً للتكتلات والانقسامات التى سادت منظمة حدتو، التى قامت بالوحدة بين أسكرا، وح.م وذلك فى عام 1948.

3- الحركة المصرية للتحرر الوطنى: ح.م.
أسسها هنرى كورييل، وهو من أصل يهودى وعائلة ثرية، فقد كان أبوه يمتلك بنكاً خاصاً، كما كان له قصر كبير بالزمالك -تشغله الآن سفارة الجزائر بالقاهرة، بعد أن تبرع لها به هنرى بعد قيام الدولة الجزائرية - التى كان من أشد أنصارها، والتى وجه جزءاً كبيرا من جهوده لمساعدتها بعد طرده من مصر عام 1950 فى عهد حكومة الوفد، كما كان والده يمتلك أراضى زراعية واسعة، وعزبة بناحية المنصورية بالهرم، كان هنرى يستخدمها فى أغراض تنظيمه. وخاصة فى إقامة مدارس الكادر. كذلك قام هنرى بإنشاء وإدارة مكتبة بوسط القاهرة (ميدان مصطفى كامل)، كان اسمها "مكتبة الميدان"، بهدف ترويج الكتب الأجنبية التى تحمل الفكر الشيوعى واليسارى. وقد استندت السلطات المصرية فى طرده من البلاد على القول بأنه إيطالى الجنسية، بينما ظل هو يصر على أنه مصرى الجنسية، وقد أقام دعوى بهذا الخصوص أمام القضاء الإدارى المصرى كان يتولاها الدكتور زهير جرانة -المحامى الشهير، وظلت الدعوى تؤجل إلى أن رفضت بعد سنوات.
لعب هنرى دوراً فى "الاتحاد الديموقراطى" الذى كان تجمعاً للتقدميين من اليهود والأجانب فى مصر، لمناهضة الفاشية، وقد انسلخ هنرى كورييل عن هذا الاتحاد هو وزميلين يهوديين آخرين هما: هليل شواترز، ومارسيل إسرائيل بعد اتجاه ثلاثتهم إلى الفكر الماركسى، ولكنه ما لبث أن اختلف معهما لدعوته إلى "تمصير"  النشاط، أى التوجه إلى العمل بين المصريين، واللجوء إلى جماهير الشعب المصرى من منطلقاتها الحقيقية، وبمراعاة مشاعرها القومية والطبقية والدينية، بينما كان لكل منهما موقف مختلف من تلك القضايا، وهكذا حدث التمايز بينه وبين كل منهما.
-وهكذا بدأ هنرى كورييل نضاله الشيوعى. وخلال أحداث 4 فبراير 1942، بينما كانت القاهرة تموج بالمظاهرات، قام هو ونفر من أصدقائه بطبع منشورات باللغة العربية، يقول فيها للمصريين: "لا تتصوروا أن الألمان أفضل من الإنجليز"، خرج ليوزع هذا المنشور هو وأحدهم فى الشوارع، ووزعا منه أربعة آلاف نسخة.
وسرعان ما دخل هنرى معتقل الزيتون الذى كان قد أفتتح لاعتقال المعارضين للإنجليز وللنظام القائم، ويقول: إنه خرج من المعتقل وقد أخذ "حمام تمصير"، وقد خرج منه أيضاً من جو النوادى والحلقات ذات الطابع الأجنبى.
 وبدأ على الفور فى تأسيس حركة شيوعية مصرية منظمة، أسماها "الحركة المصرية للتحرر الوطنى".
واتصل أولاً بمجموعة من المثقفين المصريين، واطلق معهم فى عمل واسع وسريع ومتشر. واتصلوا بالعديد من العمال، وبعمال سلاح الطيران، وبالسودانيين، والنوبيين وبينما كان بعض هؤلاء يطالبون بإعلان الحزب فوراً، كان هو يرى أن إعلان حزب يعبر حقيقة عن آمال الجماهير المصرية يتطلب وقتاً كثيراً وجهداً أكبر، وأعداداً سياسياً ومادياً ونضالياً لم يكن قد توفر بعد. وهكذا أعلنوا أنهم حركة للتحرر الوطنى لها عدة أهداف منها:
1- تكوين حزب شيوعى.   2- إصلاح زراعى.   3- تنظيم الكفاح المشترك مع الشعب السودانى.
وافتتح هنرى كورييل مكتبة "الميدان" التى لعبت دوراً هاماً فى تكوين الجيل الأول من المثقفين الماركسيين فى حركة الأربعينات. وكانت الكتب الماركسية قد ظلت ممنوعة لفترة طويلة، واستفاد هنرى من ظروف الحرب والتحالف الذى قام بين الاتحاد السوفييتى وإنجلترا، والسماح بالتالى ببعض الحريات للدعاية للاتحاد السوفييتى، وللأدب الماركسى، فاستورد كتباً كثيرة عن الاتحاد السوفييتى، ومؤلفات ماركس وإنجلز، ولينين وستالين، وغيرها. وكانت المكتبة تحتوى على كتب ومجلات باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولكن المثقفين استفادوا منها فائدة كبيرة، وكانت هى المنبع الأول لثقافتهم الماركسية. واستناداً إلى هذه الكتب قامت حركة ترجمة، وأمكن بهذا نقل الفكر الماركسى إلى نطاق أوسع من المثقفين، وإلى العمال.
كان كورييل يهدف إلى الاتصال بالمصريين وإقامة علاقات معهم، بهدف تكوين كوادر شعبية مصرية، وكانت وسيلته الأولى هى الاتصال بعناصر من الفئات البورجوازية المثقفة مثل: محمد زكى هاشم (الدكتور فى القانون الدولى، والذى أصبح بعد ذلك خطيباً للآنسة ناريمان صادق- التى تزوجها الملك فاورق وأصبحت ملكة مصر)، وأحمد دمرداش التونى (الذى كان من عائلة ثرية بالصعيد، ودز فؤاد الأهوانى، وتحسين المصرى، وموسى كاظم، وكانوا من مراتب عالية من الطبقة الوسطى، كما توصل كورييل إلى المجموعة التى صمدت من الحزب الشيوعى القديم، وضمها إلى حركته وهى، د. عبد الفتاح القاضى، الشيخ صفوان أبو الفتوح، شعبان حافظ، عبد الرحمن فضل، د. حسونة، محمد دويدار ... إلخ، وبعض الشخصيات الهامة الأخرى مثل: عبد الفتاح الشرقاوى، كمال الحناوى، والشيخ سعاد جلال.
وعن طريق عمال وصولات سلاح الطيران، أمكنه بعد ذلك الوصول إلى القوات المسلحة، وبناء تنظيم بها، وعن طريق إبراهيم العطار، اتصل بطلبة كلية الفنون الجميلة، مختار العطار، كمال شعبان، وعدد آخر من طلبة الفنون الجميلة الذين تزايد عددهم باستمرار. كما أصبح العطار، وكمال شعبان من الكوادر الأساسية فى التنظيم بعد ذلك.
وعن طريق عبده دهب، وصل إلى مجموعات من النوبيين: زكى مراد، مبارك عبده فضل، محمد خليل قاسم، الذين صاروا من الكوادر المهمة فى الحركة. وإلى عبد الخالق محجوب، ومحمد آمين حسين، والتيجانى الطيب، وعز الدين على عامر، الذين أسسوا الحزب الشيوعى السودانى، وصاروا من كبار قادته.
ومن معارك شبرا الخيمة توصل إلى "محمد شطا"، ومحمد حمزة، وغيرهما من القادة العماليين، والكوادر المعروفة.
ثم نظم هنرى أول مدرسة كادر للتنظيم فى أول يناير سنة 1943 فى عزبة والده بالمنصورية. كان عدد طلابها 25 طالباً، أصبحوا بعد ذلك من أهم الكوادر المؤهلة فى الحركة. ويعتبر هنرى -أن هذه المدرسة هى البداية الحقيقية لتأسيس ح.م. وبعدها صعد إلى اللجنة المركزية عدد من خريجيها، فصارت مكونة كالآتى: هنرى كورييل، جومتالون، تحسين المصرى -المهندس، موسى عبد الحفيظ -موظف، سيد سليمان رفاعى -عامل، سيد حافظ -عامل، كمال شعبان -طالب، مختار العطار -طالب، صبحى زغلول -طالب، عبده دهب سودانى نوبى، عبدالله الثقفى -أزهرى، كمال -أزهرى، د. عبد الفتاح القاضى -طبيب، وفيما بعد ضم إليها: محمد شطا -عامل.
توسع نشاط ح.م.، فى وسط الطلبة، ثم فى وسط العمال، وكان لها نشاط متزايد فى الريف، وفى وسط الفلاحين، وفى الجيش، وفى وسط النوبيين والسودانيين، وقد لعبت دوراً أساسياً فى تأسيس الحزب الشيوعى السودانى. واتجهت إلى تفسير سليم للواقع المصرى. وللواقع الطبقى فى المدن والريف، وإلى تكوين تنظيمات تابعة فى مختلف الفئات. وبعد التمصير اتجهت إلى التعميل، تجنيد العمال من المراكز العمالية، وتربية العمال تربية شيوعية وتحوليهم إلى كوادر، والجرأة فى تصعيدهم.
ويقول مارسيل إسرائيل بعد سفره إلى إيطاليا (وكان من خصوم كورييل التاريخيين) فى تقرير كتبه: "كانت ح.م أكثر المنظمات الشيوعية ديناميكية وحركية، وكان خط كورييل هو الانطلاق إلى الجماهير الشعبية، وبذلك تتميز مواقفه المختلفة منذ البداية".
وبالإضافة إلى كل ذلك النشاط الواسع، فقد أولت ح.م النواحى النظرية والتثقيفية اهتماماً واسعاً تمثل فى: كان لديها كورس ممتاز للمرشحين للعضوية، يقومون بدراسته قبل أن يقبلوا أعضاء فى التنظيم، يشمل المحاضرات الآتية: عيوب المجتمع، النظام الرأسمالى، تطور المجتمع، المجتمع الأشتراكى، التنظيم والعمل الحزبى، خلية المنشأة، الفاشية الأمان. كما كانت توزع على كل عضو مجموعة من الكتب المسماة "الكتب الخضراء، وهى كتب نظرية مترجمة باهتمام وإتقان، منها: البيان الشيوعى (ماركس وإنجلز)، تعاليم كارل ماركس (لينين)، إلى فقراء الريف (لينين)، عن التنظيم (ستالين) أسس اللينينية (ستالين)، الاشتراكية العلمية والاشتراكية الطوباوية (إنجلز)، العمل المأجور ورأس المال (ماركس)، الاقتصاد محرك التاريخ (روجيه جارودى)، وكانت هذه الكتب تمثل ذخيرة لتكوين الكادر نظرياً، بالإضافة للتكوين السياسى والنضالى الذى يكتسبه من خلال الممارسة. 
وكانت ح.م تصدر مجلتين علنيتين هما: أم درمان (جريدة الكفاح المشترك بين مصر والسودان)، حرية الشعوب. كما كانت تصدر مجلة عمالية تسمى: كففح العمال، التى كانت تصدر ثلاثة آلاف نسخة وصلت إلى خمسة آلاف، وكانت تطبع سراً وتوزع بصورة شبه علنية فى وسط العمال، كما كانت تصدر نشرات حزبية هى: الحقيقة، وكانت مجلة خارجية للتنظيم تنقل وجهات نظر التنظيم فى مختلف القضايا وكانت توزع ألف نسخة، الحياة الثورية، وتتضمن نماذج من كفاح وبطولات الشيوعيين. وتوزع ألف نسخة، الوعى، مجلة نظرية للأعضاء.
وقبل الوحدة مع أسكرا، كان عدد أعضاء ح.م حوالى 600 عضو لم يكن بينهم سوى عشرة أجانب فقط، أما إسكرا فكان بها 900 عضواً منهم 400 من الأجانب.

4- منظمة تحرير الشعب:
أسسها مارسيل إسرائيل عام 1940، وهو يهودى مصرى، كان نشطاً شيوعياً، بعد أن عمل فى بعض المنظمات السابقة، وخاصة منظمة "الاتحاد الديموقراطى".
وقد اقتصر نشاط هذه المنظمة على العمل بين المثقفين، ولعبت فى ذلك دوراً هاماً فى العديد من المجالات، حيث أنشأت، وشاركت فى أندية وروابط عديدة، منها: الخبز والحرية، ثقافة وفراغ، لجنة نشر الثقافة الحديثة.
وكان مقر لجنة نشر الثقافة الحديثة -التى أسسها مارسيل إسرائيل، فى شارع القصر العينى، حيث كانت تعقد بها ندوات وتلقى محاضرات أسبوعية يؤمها العديد من المثقفين، منهم: أسعد حليم، مصطفى كامل منيب، عبد الرحمن الشرقاوى، نعمان عاشور، سعيد خيال.
وكانت لهذه المنظمة دار نشر تسمى "دار الفجر" (وهى غير الفجر الجديد)، أصدرت كثيراً من الكتب المترجمة، منها: الرفيق ستالين - بقلم المارشال فروشيلوف وترجمة مصطفى كامل منيب، الجيش الأحمر، الزواج والأسرة فى الاتحاد السوفييتى، الجيش الأحمر، وهى كلها من ترجمة مصطفى كامل منيب، كما أصدرت كتباً مصرية منها: "حرية العقل" لسلامة موسى.
وقد ذكرها السفير البريطانى وقتئذ -لورد كيلرن، فى تقرير له بعث به إلى وزير خارجيته، انتونى إيدن، كمثل على نمو النشاط الشيوعى فى مصر.
وكانت لجنة نشر الثقافة الحديثة، ودار نشر الفجر، من الهيئات التى وجهت إليها حملة صدقى فى 11 يولية 1946، سواء بالإغلاق، أو باعتقال عدد من الأعضاء والناشطين.

5- منظمة القلعة:
وسميت كذلك لأن معظم أعضائها القياديين كانوا يسنكون فى حى القلعة، وقد أسسها "مصطفى هيكل" الذى كان يلقب "بالباشا"، كان يسكن فى البيت المجاور لبيت الفن فى القلعة. ويختلط بعدد من الفنانين والمثقفين التقدميين، أمثال: المخرج كامل التلمسانى، والرسام: رمسيس يونان، والأديب أنور كامل، وآخرون.
وفى فبراير سنة 1942 كون مصطفى هيكل خلية بدأت توسع نشاطها فى إطار الحى من طلبة المدارس الثانوية، ودخل مصطفى هيكل كلية التجارة، ودخل عبد العزيز بيومى كلية الحقوق، واستطاعا ضم مجموعة من الطلبة منهم: مصطفى أغا، وعادل سيف نصر، وعادل صدقى، وفؤاد عبد الحليم، وحمدى عبد الجواد، وأحمد الرفاعى.. وآخرين، كما ضموا أحد ضباط الجيش وهو: أحمد حمروش.
ومارست هذه الجماعة دوراً فى الجامعة فى عامى 45 - 1946، وتكونت لها بعض العلاقات بالريف، من خلال بعض الطلاب القادمين منه، مثل: أحمد الرفاعى -من قرية طناح، ومصطفى هيكل -من قرية كفر غنام. وقد نمت هذه المجموعة ووصل عدد أعضائها إلى 150 عضواً. وحين بدأت هذه المجموعة تتعرف على وجود منظمات أخرى، قررت أن تنهى وجودها المستقل، وأن يتجه أعضاؤها للانضمام إلى المنظمات الأخرى. فاتجه مصطفى هيكل نفسه -ومعه مجموعة أعضاء- للاتحاد مع أسكرا- عن طريق شهدى عطية، واتجه فؤاد عبد الحليم، وحمدى عبد الجواد، وآخرون، للالتحاق بـ ح.م عن طريق عبد دهب، وكان ذلك فى أواخر عام 1946، وأوائل عام 1947.
كانت تلك المنظمات الخمسة المتقدم بيانها، هى المنظمات التى كانت قائمة فى أوائل عام 1946، والتى اشتملت على النشاط الشيوعى الذى كان يجرى فى ذلك الحين، وبالطبع فقد كانت هناك حلقات أو مجموعات أخرى من الأفراد الذين يؤمنون بالفكر الماركسى أو المبادئ الشيوعية، ولكنها كانت مجموعات صغيرة ومتناثرة ليس لها نشاط ملموس، وتذكر منها مجموعات مثل: منظمة اتحاد شعوب وادى النيل، العصبة الماركسية، الطليعة بالإسكندرية.
ولكنها لم تكن ذات أثر يذكر فى النضال السياسى أو النقابى فى ذلك الحين. ولذلك فلم يعرف لها دور مذكور فى تلك الفترة من تاريخ الحركة الشيوعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق