ذكريات شاعر مناضل: 8- مازالت العجلة تدور

8- مازالت العجلة تدور


  الواسع والأثر الجماهيرى الأكبر، كان ثروت يهتم بجانب الكيف، أما حاتم فيفضل الاهتمام بجانب الكم.
 مدرستان، ومنهجان. وكان توزيع هوى النظام بين المدرستين، دليلاً قاطعاً على الطبيعة المزدوجة للنظام الناصرى، وعلى توزع هواه بين الاتجاهات اليسارية، والاتجاهات اليمينية بصفة عامة.
 كان أول ما قرره عبد القادر حاتم، هو إلغاء مؤسسة دعم السينما كمؤسسة مستقلة ترعى النشاط السينمائى، ودمج النشاط السينمائى ضمن مؤسسة جديدة هى المؤسسة المصرية العامة للسينما والمسرح والهندسة الإذاعية، وإسناد رئاسة هذه المؤسسة إلى المهندس صلاح عامر، الذى كان رئيساً للهندسة الإذاعية بالإذاعة والتليفزيون، فأضيفت إليه بذلك - إلى جانب مسئولياتة الهندسية بالإذاعة والتليفزيون، المسئولية عن قطاعى السينما والمسرح، بكل جلالة قدرهما. وكان يعاون صلاح عامر فى مسئولياته هذه، مستشاره القانونى، صلاح عبد القادر، ولم يكن لأى منهما سابقة دراية لا بالسينما، ولا بالمسرح.
 قرر عبد القادر حاتم فيما قرره، وضع شركة مصر للتمثيل والسينما، التى كنت أعمل بها، تحت التصفية، بدعوى سوء حالتها المالية. وقرر تأسيس عدة شركات سينمائية، هى: شركة الأستوديوهات السينمائية، وعين لرئاستها مهندس يسمى عز العرب، وشركة للإنتاج السينمائى تسمى: شركة فيلمنتاج السينمائى، وعين لرئاستها المخرج صلاح أبو سيف، وشركة أخرى للإنتاج السينمائى تسمى: شركة القاهرة للإنتاج السينمائى، وعين لإدارتها جمال الليثى، الذى كان فى الأصل ضابطاً بالجيش ثم توجه للأعمال السينمائية، وشركة أخرى للإنتاج السينمائى المشترك، سميت: كوبروفيلم، وعين لإدارتها فتحى إبراهيم، وهو من العاملين السابقين فى شركة فوكس للقرن العشرين السينمائية الأمريكية، وأخيراً شركة للتوزيع السينمائى ودور العرض تسمى: شركة مصر للتوزيع السينمائى ودور العرض، وعين لرئاستها محاسب هو يوسف صلاح الدين.
  وبدأ على الفور توزيع الأسلاب والمغانم الناتجة من أجل حل مؤسسة دعم السينما، وشركة مصر للتمثيل والسينما، على الشركات الجديدة. ومن ضمن هذه الأسلاب والمغانم، الموظفون والعمال. وكنت أنا واحداً منهم.
 بالنسبة لشركة مصر للتمثيل والسينما، وكانت قد وضعت تحت التصفية، فقد عين لتصفيتها محاسب هو الدكتور محمد الجزيرى. وقام الجزيرى - ضمن ما قام به من أعمال التصفية بعمل قوائم بأسماء موظفى الشركة وعمالها، لعرضها على الشركات الجديدة، لتقوم كل منها باختيار من ترغب فى ضمه إليها من هؤلاء، ليكون من ضمن هيئة العاملين التى تعمل على تكوينها بها. وفى خلال مدة وجيزة تم توزيع العدد الأكبر من العاملين فى شركة مصر للتمثيل والسينما تحت التصفية، ولم يبق سوى عدد قليل من هؤلاء، لم تقدم الشركات على اختياره. وكنت أنا - أول هؤلاء، ومعى عدد قليل آخر، وكانت الحجة فى ذلك، أننا أشخاص كبار، وأن مرتباتنا كبيرة. وكان يقال: ياه ميت جنية فى الشهر، هذا كثير على ميزانية الشركة. وهكذا بقى أمرى - أنا وبعض العاملين الآخرين، معلقاً، وكنا نتقاضى مرتباتنا، من المصفى القانونى للشركة. الدكتور الجزيرى، بمكتبه بشارع قصر النيل بالقاهرة.
 بالطبع، علم يوسف صديق بالموقف، فأبلغ به الأستاذ عبد المجيد شديد، الضابط بالجيش سابقاً، ومساعده السابق فى ليلة 23 يوليو، وكان يعمل فى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، وعلى صلة بجمال عبد الناصر، وذهبت للقاء شديد عدة مرات، وكان يتصل بالدكتور حاتم، أو بصلاح عامر، إلى أن كللت مساعيه بالنجاح، فنجح الدكتور الجزيرى أخيراً فى إلحاقى بإحدى الشركات الجديدة: شركة مصر للتوزيع السينمائى ودور العرض، وذهبت فقابلت رئيسها، المحاسب يوسف صلاح الدين، بالمقر المؤقت لتلك الشركة. بشارع البورصة بالتوفيقية. ووجدته شخصاً مهذباً ولطيفاً، وسرعان ما تفاهمنا، وتسلمت العمل بتلك الشركة.
 كان يوسف صلاح الدين الابن المدلل لأسرة من رجال القانون، كان أبوه توفيق بك خليل مستشاراً معروفاً فى القضاء، استقال قبل أن يعارض يوسف صلاح الدين فى ذلك، لأنه كان نافراً بطبعة من دور العرض، بمشاكلها، وعمالها، وكانت لدى الشركة حوالى خمسين داراً للعرض، تمتد من القاهرة والإسكندرية والوجه البحرى، إلى مدن مختلفة فى الوجه القبلى، وسرعان ما صدر قرار وزارى بقسمة الشركة إلى شركتين، شركة التوزيع، وشركة دور العرض. وظل يوسف صلاح الدين رئيساً لشركة التوزيع، بينما عين منير عبد الوهاب رئيساً لشركة دور العرض.
 فوجئت بأن المهندس منير عبد الوهاب، يطلب بإصرار نقلى إلى شركته - دور العرض، أنا وسائ العاملين فى الإدارة القانونية، وسألنى يوسف صلاح الدين عن رأيى، فتركت الأمر له، فوافق، وكان شديد الرغبة فى التخلص من وجع دماغ دور العرض. كل المحامين والموظفين تم نقلهم معى من التوزيع إلى الإدارة القانوينة لشركة دور العرض، ما عدا الأستاذة هاجر يونس التى ظلت مع يوسف صلاح الدين، مديرة للشئون القانونية بشركة التوزيع، ثم أصبحت بعد سنوات طويلة، هى رئيسة الشركة. كان منير عبد الوهاب مهندساً كفئاً وافر النشاط، محباً لعمله، خلق لكى يكون مهندساً لا يكل ولا يمل. وكان إلى جوار ذلك يميل إلى فلسفة الأمور، قال لى مرة:
 -فى رأيى أن الكفاءة هى سرعة إنجاز العمل، خذ عندك مثلاً، هذا السد العالى العملاق، تستطيع نملة واحدة إنجازه، ولكن فى مليون سنة، بينما ننجزه نحن البشر فى بضعة أعوام قليلة، وهذا و الفرق بين كفاءة النمل، وكفائة الإنسان.
 وكان إلى جانب ذلك ميالاً للفكاهة فى بعض الأحيان. عرضت عليه مرة أمر تعيين محام جديد فى الإدارة القانوينة، كان اسمه محمد حسن الديب، توقف عند الاسم وسألنى:
 -هل هو قريب لفلان الديب الذى سبق أن عيناه فى الإسكندرية؟
 وأجبته:
 -لا، أنه مجرد تشابه فى الأسماء. فعاجلنى بسؤال آخر:
 -هل هو قريب للديب الذى كان محافظاً للإسكندرية منذ سنوات؟
 وأجبته:
-لا، وهذا أيضاً تشابه فى الأسماء.
فبادرنى بالقول:
 -غريبة، ولكن هذا دليل على أن العالم ملئ بالذئاب!
 عملت مع منير عبد الوهاب عاماً فى شركة مصر للتمثيل والسينما، هو مديراً للشئون الفنية، وأنا مستشاراً قانونياً، وها أنا قد عملت معه حوالى ثلاث سنوات، هو مديراً لدور العرض بشركة التوزيع السينمائى ودور العرض أولاً، ثم رئيساً لشركة دور العرض بعد ذلك، وأنا مدير للإدارة القانونية طوال الوقت، وأشهد أنه كان شخصاً متفانياً فى عمله، كما كان بالغ الود واللطف معى طول الوقت، ونشأت بيننا ثقة وألفة كبيرة، ولم يفرق بيننا إلا الزمان، وبعض الهفوات والهنات التى بدرت منه نحوى دون قصد، إلى أن داهمة المرض وتوفى فجأة، إلى رحمة الله.
 بعد وفاة منير عبد الوهاب عين المهندس محمد الدسوقى رئيساً لشركة دور العرض، وكان يعمل قبل ذلك مهندساً للصوت فى الهندسة الإذاعية. وكان محمد الدسوقى شاباً واثقاً من نفسه. وكان قريباً لأم كلثوم (ابن شقيقتها) ومقرباً منها جداً، وقد جعله إخلاصه وشبابه، وقرابته لأم كلثوم قريباً إلى نفسى، وسرعان ما أصبحنا صديقين متفاهمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق