ذكريات شاعر مناضل: 73- فى واحة جناح

73- فى واحة جناح

سار بنا قطار الصعيد قبيل منتصف الليل ونحن راقدون على أرضية إحدى عربات نقل المسجونين، الملحقة بالقطار، وخلفنا عربتان أخريان مليئتان بالمسجونين من الإخوان المسلمين. سار بطيئاً أول الأمر، لدى خروجة من محطة الجيزة، ثم ظلت سرعته تزداد تدريجياً، حتى بلغ السرعةالمعتادة لقطارات الإكسبريس. وكان الظلام المحيط بالقطار دامساً حتى أن بعضنا - الذين كانوا يستطيعون الوقوف ليستطلعوا من خلال الفتحات الصغيرة ذات القضبان الحديدية، ما يمرون به من مشاهد، لا يكادون يبصرون شيئاً، سوى بعض القرى المتناثرة حول الطريق، وما بها من إضاءات خافتة أو بعض المحطات الصغيرة ذات اللافتات التى لا تكاد تقرأ - بأسماء المحطات.
بعد حوالى الساعتين، هدأ القطار من سرعته، ثم توقف على رصيف محطة كبيرة - هى محطة بنى سويف. وشاهد الرفاق المطلون على رصيف المحطة، بعض أشخاص متواجدين لسبب ما فى هذا الوقت المتأخر، كما شاهدوا جمعاً من رجال الشرطة، جنوداً وضباط، واقفين وقفة الترقب والانتباه. ما أن شاهد زملاءنا المطلون ذلك، وأخبرونا به، حتى تنبهنا، وأخذنا نرد هتافاتنا.
-عاش كفاح الشعب المصرى، تسقط الدكتاتورية العسكرية الغاشمة، عاش كفاح الطبقة العاملة..
وكان جيراننا - من الإخوان المسلمين قد استيقظ بعضهم، وأخذوا يرددون:
-الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ولله الحمد...
أشار نحونا بعض الضباط الواقفين على الرصيف بأيديهم، وبأصابعهم، إشارات بذيئة. ثم استحثوا سائق القطار، فأسرع إلى التحرك، وسرعان ما ابتعد فى سيره نحو الجنوب، وعدنا نحن إلى رقادنا فوق أرضية العربة.
لم تكن هناك وقفات تذكر فى باقى الطرق، كما لم يوجد فى المحطات الأخرى التى مررنا بها أى جموع تذكر. فعدنا إلى نوم لا يقطعة سوى صوت عجلات القطار وهى تسير على القضبان.
انقضى الليل وبدأ ضوء الفجر يلوح على الأفق، وقبل أن تشرق الشمس أحسسنا بحركة القطار تتباطأ، وأدركنا أننا نكاد نكون قد وصلنا إلى محطة قنا.
وتصايح البعض: قنا، قنا. وفهمنا أن وجهتنا ستكون سجن قنا، وكدنا نغدو متأكدين من ذلك، لولا أن القطار توقف فى منطقة خلوية، وشاهدنا إلى جوار القطار رصيفاً تعلوه لافته تقول: المواصلة ثم بدأت أبواب العربات تفتح، وطلب الضباط منا النزول، فبدأنا ننزل، بينما كان الجنود على الرصيف يقفون وبنادقهم فى أيديهم، يعلو كل منها السونكى المشهر. ثم طلب منا الانتقال إلى رصيف آخر، إلى جواره شريط حديدى، يقف عليه قطار صغير من نوع: قطارات الدلتا. وعلمنا أنه قطار الواحات، وأن وجهتنا هى الواحات الخارجة التى تقع على بعد 600 كيلو متراً فى قلب الصحراء الغربية.
 ركبنا فى ذلك القطار، فى عربات معدة لنقل المسجونين، وبكل منها مكان مخصص للحراس، وداخل كل منها مرحاض صغير، كما توجد بعض جرادل الماء. وما هو إلا وقت قصير، حتى وزعت على كل منا كعكة سميط بالسمسم، وقطعة جبن رومى صغيرة. ثم أصدر القطار الصغير صفارة نحيلة، تتناسب مع حجمة الصغير، فكانت أشبه بصراخ طفل صغير. وبدأ رحلته إلى جوف الصحراء.
كانت رحلة عجيبة، لم نر فيها سوى محطة صغيرة واحدة، تسمى محطة "القارة" فى يداية الطريق، وهى محطة مقفرة لا يوجد فيها بشر ولا حجر، ولم يتوقف فيها القطار أصلاً، ولكنه واصل مسيرته فى طريق تحفه من كل الجوانب كثبان الرمال.
-وصاح بنا أحد الزملاء: ناموا بقى. فلا يوجد هنا ما تشاهدونه من خلال هذه الفتحات، سوى الرمال الصفراء، ثم قال، ولهذا يسمى الناس هذه الرحلة: رحلة النعاس. وفعلاً، كان كل ما حولنا لا يوحى إلينا إلا بالنعاس. ولم يكن أحد منا يصحو إلا لكى يذهب إلى المرحاض، بمشقة بالغة بسبب القيود والأغلال، ولذلك فقد كنا نقلل ما استطعنا من شرب الماء، تجنباً لكثرة الذهاب إلى المرحاض. ستمائة كيلو متر، بقطار الدلتا البطئ نمنا خلالها حتى مللنا من النوم. نمنا منذ الصباح الباكر، حتى ما بعد العصر، حين توقف القطار على رصيف محطة كتب عليها: الخارجة، وهى عاصمة الواحات.
أنزلنا من القطار ونحن نهتز ونترنح من التعب والإجهاد، وقد أصابنا دوار كدوار البحر، بسبب حركة القطار البطيئة الرتيبة. ووجدنا فى انتظارنا حشداً من سيارات اللورى، وعدداً كبيراً من الجنود والضباط، من رجال البوليس ورجال الجيش.
ركبنا سيارات اللورى بمشقة، إذ كنا مقيدين بالكلبشات ومربوطين بالحجلات. ثم سارت بنا السيارات جنوباً، عبر مبان فقيرة كالحة هى مبانى الواحة، فى الطريق نحو واحة تسمى: باريس.. باريس، نعم باريس. سرنا نحو ساعة باللورى بالقرب من معسكر، عبارة عن مستطيل من الأرض الصحراوية، يحيط به سياج من الأسلاك الشائكة المزدوجة، وتملأ نصفه الشرقى صفوف من الخيام الكبيرة البيضاء. بينما نصفه الآخر عبارة عن فناء خالى، تحف ببعض نواحية مبانى صغيرة من الصاج المعرج.
أنزلنا من اللورى، وقام الجنود بفك القيود والحجلات، وأمرنا بالجلس صفوفاً على الأرض الرملية أمام باب المعسكر، حتى حضر بعض الضباط، فقاموا بحصرنا عدداً، وتسجيل أسمائنا، ثم أمرنا بالدخول إلى داخل المعسكر. الشيوعيون، إلى الناحية الجنوبية، فى أربعة خيام متتالية، والإخوان إلى الناحية الشمالية، فى عدد أكبر من الخيام.
أمام خيامنا، وقف بعض المسجونين العاديين بملابس الليمان، يتقدمهم شخص طويل القامة مفتول العضلات، عرفنا بنفسه فقال: أنا البطش. وأنا الذى أشرفت على إقامة خيامكم، وترتيب لوازمكم، وعازمكم الليلة على العشا، على حسابى. وقد علمنا فيما بعد، أن البطش هذا، وهو أحد فرقة المسجونين العاديين الذين سبقونا من ليمان طره إلى هنا، لنصب خيام المعسكر، وترتيب محتواياتها، وإقامة مرافقها المختلفة. وعلمنا أن البطش هذا، أو الرفيق البطش كما يسميه زملاؤه، هو أحد القرانات الكبار فى الليمان، والقران هو المسجون القديم، الجرب، وذو الخبرة الكبيرة، وهو أحد عمد السجن، وهو عكس الكركى، الذى هو المسجون الحديث، الغشيم، الذى ليست له مكانه تذكر فى السجن، ولا بين المسجونين، كما علمنا أن البطش هذا، أو الرفيق البطش، كان شيوعياً فعلاً. فقد كان، وهو أصلاً أحد مطاريد الجبل فى منطقة سوهاج، وكان قاتلاً ولصاً محترفاً، وقد أصبح وهو فى ليمان طره، أحد أفراد خلية شيوعية قام الزميل شهدى عطية بتجنيد أفرادها، وتعليمهم، بما فى ذلك تعليمهم القراءة والكتابة، وتدريبهم ليكونوا من الكوادر الشيوعية التى يعتمد عليها، وذلك عندما كان يقضى عقوبة الأشغال الشاقة - لمدة سبع سنوات - فى ليمان طرة، تنفيذاً للعقوبة التى حكم عليه بها فى قضيته الشيوعية الأولى، منذ أيام الملك، والمعروف أن شهدى قضى كل هذه المدة، لا فى الليمان فحسب. وإنما فى عنبر التأديب بالليمان، وهو ألعن وأصعب مكان فى جميع سجون مصر. ومع ذلك، فقد استطاع شهدى، أن يكون علاقات وثيقة ومحترمة، مع العديد من السجانين الذين أصبحوا عاطفين عليه، ولعى مبادئه، ومع العديد من نزلاء الليمان، الذين كان منهم هذا البطش، كما كان منهم الرفيق فتحى أبو طالب، والرفيق بترو بتريدس وهما لصان شهيران، كان قد حكم عليهما بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً فى قضية شهيرة، كانا متهمين فيها بالسطو المسلح على فرع البنك الأهلى بمصر الجديدة فى الأربيعينات، وقد استطاعا الهرب من الليمان فيما بعد.
تم توزيعنا على الخيام الأربعة، حسب اختيارنا، وكانت فى كل خيمة - وهى من خيام الجنود أصلاً، صفان من العنجريبات، المكونة من لوحات من الخشب، على كل منها بطانيتان، إحداهما للفرش فوق العنجريب، والثانية للغطاء. أما الوسائد، فقد قام كل منا بتدبير أمره فيها، إما بكيس ملابس، وإما بحذائه، وإما بأى شئ آخر، وفيما بعد، قام البطش وبعض زملائنا، ومنهم حليم طوسون، بتحويل العنجريبات إلى أسرة، باستعمال أوتاد خشبية من أوتاد الخيام، كأرجل لرفع العنجريبات عن الأرض. طبقاً للتحذيرات التى تلقيناها من بعض زملائنا، من العقارب والحيات الزاحفة على الأرض، والتى تكثر فى هذه المناطق.
استرحنا ساعات فى الخيام، ثم قمنا للعشاء بدعوة من الرفيق "البطش"، الذى قد أعد لنا، هو وزملاؤه من مسجونى الليمان، عشاء فاخراً لم نكن نتوقعة فى هذا المكان: ملوخية خضراء، ولحم ماعز، وأرز محمر، وخبز جيد الإعداد. وقال إنه اشترى جديين حوليين، وهذه الملوخية، من واحة جناح القريبة، عندما علم بقدومنا. تحية وإكراماً لنا، وجدعنه، وكنا فى غاية الجوع، فأكلنا حتى شبعنا، وشكرنا رفيقنا الجديد: البطش، ثم نمنا حتى الصباح.
 صحوت فى الصباح منتعشاً، وخرجت من الخيمة، وغسلت وجهى من جردل ماء كان البطش قد وضعه أمام كل خيمة، وعليه غطاء من الصفيح، وكوز للغرف به. وكان البطش قد أعد لنا إفطاراً من الفول المدمس، من إنتاجه هو وزملائه، مع خبز جيد الخبز فى فرن السجن. فأفطرنا، وشربنا شاياً، ثم أخذنا نتدارس وضعنا ونتدبر أمرنا.
كنا جميعاً من المحكوم عليهم بالسجن مع الشغل، أو بالأشغال الشاقة، ومعنى ذلك أنه كان علينا أن نقوم بكل الأعمال التى تقتضيها حياتنا فى هذا المكان، وخاصة أنه ليس به مسجونون آخرون ليقوموا بالخدمات المعتادة فى السجون، ومجموعة مسجونى الليمان الذين وجدناهم هناك - البطش وزملاؤه - كانوا قليلى العدد، وكانوا متخصصين فى الأعمال الإنشائية، وبخدمة أنفسهم بالطبع.
بعد مداولات، استقر الرأى سريعاً على تشكيل لجنة من الشيوعيين، من مختلف المنظمات، تسمى لجنة الحياة العامة، وكانت مختصة بتنظيم وإدارة كافة نواحى الحياة المشتركة للشيوعيين، بما فى ذلك المشاركة مع الإخوان المسلمين فى الأعمال المشتركة للمعسكر كله، إذ لا يجوز ولا يمكن أن يعتمد أى من الطرفين على الآخر فى تلك الاعمال. ثم نظمت تلك الأعمال والمهام على النحو الآتى:
-الأعمال الشاقة، بالتعاون مع الإخوان، مثل استلام جذوع الأشجار وأجولة الدقيق والعدس والفاصوليا والسكر والأرز - والبصل وغيرها.. من أمام مبنى الإدارة، ونقلها حملاً على الأكتاف والظهور، أو جراً على الأرض، إلى المخزن، حيث المخبز والمطبخ الكبير المشترك. وأعمال تكسير كتل الأشجار وإعدادها للوقود، ثم أعمال العجن، والخبز، والطهى، وكلها - خصوصاً العجن، تعتبر من أشق الأعمال. وقد اختير لها منا بعض الزملاء، من أقوياء الأجسام، كنت أنا، وشريف حتاته، وأحمد عبدالله، ومنصور زكى، وبرير حامد (الزميل السودانى) منهم.
-الأعمال العادية، ومنها طهر الطعام وإدارة شئون المطبخ للشيوعيين، وقد كلف بالإشراف عليها الزميل أحمد خضر، وكانت له دراية بشئون الطهى، ومعه محسن محمد، وروبيرجرانسبان، ورفاق غيرهم.
ومنها الخدمة العامة، للنظافة، وغسل أوانى الأكل، ونقل الماء من العين الجديدة على بعد نصف كيلو متر من المعسكر بواسطة سيارة تنك يقودها أحد الجنود، وتستعمل فى ملئها مضخمة ماء مركبة فيها.
-وكانت هناك أعمال أخرى، مندوب عنا للإدارة- وكنا نتبادل هذا العمل أنا وشريف حتاته.
-أعمال النظافة العامة، وخاصة نظافة دورات المياه المشتركة، وكان يتولاها تباعاً، سعد كامل، وصلاح حافظ، بالاشتراك مع آخرين من الإخوان.
الأشغال الإنشائية وأعمال الإصلاح، وكان يتولاها الزميل حليم طوسون. المهم، كل منا كان يعمل، ويشارك فى تسيير شئون الحياة. وكنا ننظر إلى هذه الأعمال، ونعتبر القيام بها مسألة مبدأيه، وموقفاً أخلاقياً، إذ لا يجوز أن يعتمد أحد منا على غيره فى مثل هذه الأعمال، إلا بما يقتضية تقسيم العمل، وكنا نعتبر ذلك تدريباً على الحياة فى مجتمع اشتراكى.
وكانت الحياة العامة تختص بتلقى كل الموارد المالية، والعينية التى تصل إلينا، سواء من مصلحة السجون، كموارد التموين، أو من الحوالات والطرود التى ترسل إلينا من الأهالى. وكانت كل هذه الموارد توزع فيما بيننا بالعدل، بطريقة كانت محل إعجاب من المسجونين العاديين، ومن الحراس، وحتى من إدارة السجن، وكانت هذه الأساليب، تختلف اختلافاً تاماً عن أسلوب الإخوان المسلمين، الذين كانوا حريصين على مراعاة الفروق الطبقية بينهم باعتبارها أمراً طبيعياً.
وتدربت أنا على هذه الأعمال الشاقة، وتعودت عليها. فكنت أقوم بعجن العجين فى طاولة خشبية كبيرة، ومعالجته حتى يتم تخميره، وهو عمل شاق لأنه يعتمد على رفع كميات ثقيلة من العجين على السواعد والأذرع، ونقلها من وعاء إلى آخر. وكنت أقوم بحمل أجولة الحبوب - ذات الأوزان الكبيرة - على ظهرى ونقلها مسافة طويلة، وذلك لحوالى ساعة من الزمان. واكسبتنى مثل هذه الأعمال، قوة بدنية وحالة صحية جيدة مازلت أحمد الله عليها حتى الآن.
كذلك سارت كل نواحى حياتنا على نحو مقبول، فالطعام معقول، والنظافة جيدة.
وقمنا بإدخال إصلاحات طيبة على إمكاناتنا، وعلى نهج حياتنا.
-قمنا بإنشاء مطعم أو مقصف كبير، من الخيام، ومن موائد ومقاعد، ابتكرها كلها حليم طوسون من بعض المتوافر من خيام وأخشاب المعسكر، وكان هذا المكان محور حياتنا الاجتماعية، نتناول فيه الوجبات، ونقيم فيه الندوات والحفلات والاجتماعات.. إلخ، وقمنا بتصنع وتركيب منضدة كبيرة تحف بها دكتان فى منتصف كل خيمة، لاستعمالها فى القراءة والكتابة والاجتماعات الصغيرة.
-وقمنا بإنشاء ملعب للعبة الراكيت، وإعداد الأرض لها إعداداً جيداً، رغم صعوبة ذلك فى الأرض الرملية، وقام الزميل - ألبير آرييه، بالحصول من والده على المعدات اللازمة، الشبكة، والمضارب، والكرات، وذلك عن طريق الطرود، وكان والده هو صاحب محلات مصر الرياضية، ومحلات نيولندن هاوس الشهيرة بالقاهرة.
-كما قمنا بإعداد ملعب لكرة القدم، وتمهيد أرضه، وإقامة الأجوان والشباك، وقام ألبير آرييه بإحضار كل الأشياء المطلوبة لكل ذلك.
-وقام آلبير أيضاً بإحضار مائدة للبنج بونج، بكل لوازمها، وإقامتها فى الفراغ الكائن بالمطعم، وكنا نقوم بتنظيم مباريات فى البنج بونج، وفى الراكيت وفى كرة القدم، كان يؤمها الكثيرون، ومنهم بعض الضباط أحياناً.
كنا نقوم بتنظيم سلسلة من المحاضرات، والندوات، العلمية والأدبية، والسياسية داخل خيمة المطعم، أو فى داخل إحدى خيامنا، وفقاً لمقتضيات الحال.
وكنا نقوم بتنظيم كورسات ثقافية وتعليمية وسياسية يشارك فيها كل الزملاء، سواء كمدرسين أو طلاب. بما فى ذلك كورسات للتقويه فى اللغات، العربية، والإنجليزية، والفرنسية، كما أحضر لنا شريف حتاته كتباً لتعليم اللغة الروسية، وكان يقوم بتعليمنا إياها - أو تشن خراشو!
-كنا نقوم بإحياء حفلات فنية، تمثيلية وغنائية وفكاهية، كان نجمها اللامع - الموهوب: صلاح حافظ. وكان يحضر هذه الحفلات، إلى جانب زملائنا، المسجونون - العاديون، البطش وزملاؤه وبعض أصدقائنا من الإخوان المسلمين - وأحياناً بعض الجنود والحراس، بل إن بعضهم، من ذوى المواهب، كان يشارك فى تقديم بعض الأغنيات أو المونولوجات فيها.
كل هذا كان حسناً، ولكن أحسن ما كنت أجده فى هذا المكان، هو الهدوء والراحة، والإحساس بالحرية، الحرية من الجدران، والأبواب، والأقفال والمفاتيح، وهى الأشياء التى كانت تمثل السجن فى نظرى. أما هنا فلا شئ من ذلك. بل فى الليل والنهار، إذا أردت أن ترى السماء، أو الصحراء، أو الجبال البعيدة. فما عليك إلا أن ترفع باب الخيمة القماش، وتخرج منها، لترى كل ذلك أمامك. وكان هذا أفضل نعمة فى الوجود، رغم كل ما كنت أفتقده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق