ذكريات شاعر مناضل: 44- فى إطار حركة التضامن

44- فى إطار حركة التضامن

  بمجرد انتهاء نظر قضية الانتفاضة، ومن قبل حتى أن يحكم ببراءتى فيها، عرض على الشرقاوى العمل معه فى منظمة التضامن الأسيو أفريقى، أو الأفرو آسيوى، فقد كانت تسمى بالاسمين، واتفقنا على أن أعمل مستشاراً قانونياً لها، على أن أتولى أيضاً الإشراف على الشئون الإدارية والمالية بها، اللذين كانا يعانيان من سوء الأداء. وبدأت العمل بها فعلا، وأصبح لى مكتب فيها، وأصبحت ألتقى بالشرقاوى، رئيس المنظمة، ونورى عبدالرزاق - السكرتير العام لها، بصورة يومية.
 وكان أحمد حمروش قد سبقنى فى الالتحاق بالعمل، مساعداً للشرقاوى بالمنظمة، فأصبح يضمنا، الشرقاوى وأنا وحمروش إطار عمل واحد. وكانت تلك المنظمة- منظمة دولية أقامها مؤتمر التضامن الأفريقى الآسيوى الذى انعقد بالقاهرة عام 1958، أيام جمال عبدالناصر، لتكون أداة العمل السايى والتنظيمى الدائم لتحقيق أهداف تلك الحركة. وكانت تديرها، إلى جانب رئيسها، الشرقاوى الذى اختبر لرئاستها بعد استشهاد رئيسها السابق -يوسف السباعى، ونورى عبد الرزاق سكرتيرها العام، هيئة سكرتارية مشكلة من عدد من الأعضاء الممثلين للدول المشاركة فى المنظمة. وكان المؤتمر قد قرر إن يكون مقر المنظمة هو القاهرة، اعترافاً بأهمية مصر فى إقامة ورعاية حركة التضامن هذه، وبمكانتها بين الدول المشاركة فيها، وكان فى المنظمة عدد من العاملين المصريين، يشكلون الجهاز الفنى، والمالى والإدارى لها.
 ووجدت أنا- أن وضعى فى تلك المنظمة، يوفر لى إمكانية طيبة للحركة السياسية، وللعمل القانونى، والتنظيمى المناسب.
 ومن داخل السكرتارية الدائمة للمنظمة، وإلى جوارها، أسندت إلى حمروش مسئولية العمل فى تسيير أعمال اللجنة المصرية للتضامن، التى كانت أعمالها متداخلة فى أعمال السكرتارية الدائمة، وكان ينتج عن هذا التداخل، بعض المشكلات، وبعض التعارض فى الإداردات لذلك، فبعد قليل من التحاقى بالعمل فى المنظمة، عرضت على هذه المشكلات، فأوصيت بوضع حل فاص لها، بالفصل بين الكيان التنظيمى للسكرتارية الدائمة، واللجنة المصرية، وتم الأخذ بهذه التوصية، وترتب على ذلك إراحة الجانبين من التناقضات والخلافات التى كانت تنشب بينهما، وتفرغ كل منهما لأداء أعمالها.
  وترتب على هذه الانفصال فى الاختصاصات، أن تم تعيين حمروش سكرتيراً عاماً للجنة المصرية، تحت رئاسة الشرقاوى لها.
 وباشر حمروش مسئوليته تلك بحماس وديناميكية كبيرة، فعمل- تحت قيادة الشرقاوى، على تطوير اللجنة المصرية للتضامن، وعلى ضم عدد متزايد من العناصر البارزه فى الحياه السياسية والثقافية إلى عضوية اللجنة، إلى تطوير وتنظيم نشاطها بصورة تدعو إلى الإعجاب. مما قفز بوضع اللجنة وبدورها، خلال مدة وجيزة، إلى وضع بارز فى الحياة المصرية، يماثل أو يزيد حتى على وضع معظم الأحزاب السياسية القائمة. وتحت قيادة الشرقاوى ورئاسته العاقلة الحكيمة، ووضعه السياسى والثقافى البارز فى الحياة المصرية والعربية والدولية، وتحت إدارة حمروش النشطة ودينامكيتة المعهودة، وتحت اقتتاع واجتهاد أعضاء اللجنة ةخاصة أعضاء هيئة مكتبها السياسى، برز دور تلك اللجنة فى الحياة السياسية والثقافية المصرية، إلى درجة ملفتة للأنظار.
 ووجدت أنا ومجموعتنا السياسية والحزبية، فى حركة التضامن، المنظمة واللجنة حلاً لمشكلتنا، وسبيلاً للخروج من نطاق العزلة التى حاول التكتل والتجمع أن يضرباها حولنا، فالتحق الكثيرون منا بالعمل فى إطار اللجنة المصرية للتضامن، وفى تنظيماتها الفرعية العديدة. خاصة وأن طبيعة نشاط هذه اللجنة، كان هو أساساً، نشاطاً سياسياً وثقافياً، وقريباً جداً من طبيعة دورنا كحزب أو كتنظيم سياسى تقدمى.
 التحقت أنا وسعد كامل ورشدى أبو الحسن، وحمروش طبعاً، ومحمد شطا، بالمكتب السياسى للجنة، والتحق الكثير من زملائنا باللجنة العامة، وبلجانها الفرعية، النوعية والإقليمية، وكانت كثيرة ومتنوعة. كانت هناك لجان إقليمية، فى الإسكندرية، والقنال، والغربية، وبنى سويف، إلى جانب اللجنة العامة بالقاهرة. وكانت هناك لجان نوعية عديدة إلى جانب المكتب السياسى، اللجنة القانونية، ولجنة الشئون العربية، ولجنة المرأة، ولجنة الشباب، التى كانت لكثرة عدد أعضائها ولبروز نشاطها، تكاد تكون تنظيماً قائماً بذاته، وكانت تقيم اجتماعات ومؤتمرات حاشدة. وكنت أنا عضواً فى هيئة المكتب، وفى اللجنة القانونية، كما كنت مقرراً للجنة الشباب ومسئولاً عنها، كما كنت مسئولاً عن لجنة بنى سويف التى كان رئيسها الزميل إبراهيم الشريف. وساهم زملاؤنا سعد كامل، ورشدى أبو الحسين، ومحمد شطا، فى المكتب السياسى، إلى جانب مساهماتهم فى العديد من اللجان النوعية، كما كان محمد شطا هو المسئول عن اللجنة الإقليمية بالغربية.
 ثم انعطف نشاط اللجنة المصرية انعطافاً كبيراً، تحت قيادة الشرقاوى، وحمروش، وبمشاركة نشطة من جانبى، غلى مجال التضامن العربى، فأخذت على عاتقها مهمة دفع حركة التضامن العربى إلى أقصى حدود أفاقها وإمكانياتها. تم ذلك فى مجال العلاقات الثنائية بيننا وبين مختلف لجان التضامن العربى، بتبادل نشط للزيارات والاتصالات والمطبوعات، ثم بإقامة الاجتماعات العامة للجان التضامن العربية، مرة كل عام فى إحدى البلدان العربية، مما كان بمثابة مهرجانات أو مؤتمرات للتضامن، تترك أثارها البعيدة فى إحياء حركة التضامن العربى على المستوى الشعبى فى تلك البلدان.
 وكان من نتيجة كل هذه الأنشطة، أن انشغلت أنا- كما انشغل رفاق آخرون بهذا إلى درجة عظيمة، اجتماعات ولقاءات متواصلة فى مصر، أسفار وزيرات كثيرة إلى الكثير من الدول العربية، والآسيوية، والأفريقية، والأوروبية. علاقات واسعة ومتنوعة مع العشرات والعشرات من المناضلين العرب والأفارقة، والآسيويين، والروس، والألمان، والأوروبيون، خلعت على حياتى وحياة الكثيرين من الزملاء والرفاق، خصباً وحيوية وثراء كثيراً. هذا إلى جانب علاقات بالغة الخصب والتنوع والثراء، مع إخوة مصريين من مختلف الأرجاء المصرية، ومن مختلف الأطياف الفكرية والسياسية.
 واستمر عملى فى منظمة التضامن، كمستشار قانونى لها، مع اهتمامى بمختلف شئونها المالية، والإدارية، لسنوات طويلة، طيلة حياة الشرقاوى، إلى أن توفاه الله إلى واسع رحمتة فى نوفبر سنه 1987، ثم مع الدكتور مراد غالب الذى تولى رئاسة المنظمة بعد رحيل الشرقاوى، إلى أن قررت الاستعفاء من العمل بها فى وقت متأخر. على أن أبرز ماقمت به من أعمال فى خدمة تلك المنظمةن هو قيامى بوضع الدستور الدائم لتلك المنظمة، الذى مازال سارياً العمل به حتى الآن.
 وكان الشرقاوى- قد استشعر ثقل الأعباء التى ألقيت على كاهله نتيجة اجتماع مسئوليته عن منظمة التضامن، وعن اللجنة المصرية للتضامن، فتقدم إلى الرئيس حسنى مبارك فى سنة 1985- أى قبل وفاته بعامين تقريباً، طالباً إعفاءه من رئاسة اللجنة المصرية، فوافق الرئيس على ذلك، وبناء على اقتراح الشرقاوى، أصدرى الرئيس أمره بإسناد رئاسة تلك اللجنة إلى الأخ أحمد حمروش، الذى كان سكرتيراً عاماً لها، وقرر الرئيس أن أكون أنا السكرتير العام لتلك اللجنة، فتوليت تلك المسئولية فعلياً منذ بضع سنوات، بسبب الحالة الصحية وتقدم السن، وإن كنت ما أزال أشغل هذا المنصب من الناحية الرسمية، حتى الآنن وإلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
 ومما يذكر أننى ظللت أقوم بأعباء هذا العمل- سكرتيراً عاماً للجنة المصرية للتضامن لمدة عشرين عاماً، دون أن أنقاضى عن ذلك أى مرتب أو أجر، إذ كنت أعتبر أن هذا العمل- وهو عمل سياسى- هو عمل تطوعى لا ينبغى أن يتقاضى عليه المرء أى أجر، وعلى ذلك فإنى لم أنقاض، ولم أطلب عليه أجراً. أما عن عملى فى منظمة التضامن، كمستشار قانونى، والذى استمر عشر سنوات، فقد كنت اتقاضى عليه مرتباً متواضعاً، إذ كان- فى معظمه عملاً مهنياً- كما كان فيه جانب سياسى، لم أطلب ولم أتقاض عليه شيئاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق