ذكريات شاعر مناضل: 38- فى مواجهة الفرعون

38- فى مواجهة الفرعون


  بعد أيام قليلة، أسبوع على الأكثر، فوجئت وأنا أجلس فى منزلى الصغير بحلوان فى المساء بحضور سهير ومعها ابنى يوسف، وكان حضورهما على غير موعد، ودون توقع أو انتظار، مما آثار دهشتى وقلقى، ولكن سهير بادرت- فى محاولة منها لإزالة قلقى، إلى فتح حقيبة يدها، وأخرجت لى ورقة قرأتها فإذا بها رسالة من الزميل سالم سعد كامل.قرأتها فإذا نصها كالآتى:
 -عزيزى هـ  (هاشم).
 حضر إلى منذ قليل (وائل)- وكان الشرقاوى قد طلبه على آثر مقابلة للسادات. وقد لخص لى وائل مادار بين السادات والشرقاوى وليس فيه مايستحق الذكر بشكل عاجل. إلا موضوع واحد.
 فقد تكلم الشرقاوى عنك، وأشاد بك. وأعلمه أنك صهر المرحوم يوسف صديق.. ويقال إن عينيه أغرورقتا.. وقال إن المرحوم كان قد أوصانى بأولاده. وأفهمه أنك هارب طبعاً وطلب منه مقابلتك.. ووافق السادات على ذلك، وحدد ميعاداً الساعة الحادية عشرة صباح الثلاثاء القادم أى بعد باكر.
طبعاً هذا موضوع دقيق جداً ويحتاج إلى التشاور، ولهذا أرى أن تحضر من مكانك إما إلى منزلى صباح باكر.. أو إلى منزل والدة سهير على أن يحضر لاصطحابى، واستحسن أن يحضر مناقشته الموضوع علاوة على بكر (رشدى أبو الحسن) وائل حمروش، وعزت ، وجاسر إن أمكن.
 على أى حال لا أّفضل أن تتم المقابلة فى مكانك النائى.. وإذا كنت توافق على الحضور عندى فسأنتظرك الساعة 8 صباحاً. أو سأنتظر من يحضر إلى ليأخذنى إليك لأننى على ميعاد مع وائل وعبد الرحمن الساعة 11 إلى الساعه 11,30 صباحاً. ويحسن أن نستمع إلى ما يقول عبد الرحمن بدقة... كما يحسن أن نكون على اتصال بالآخرين لعرض الأمر بشكل دقيق ومعرفة عواقبه ومزياه.
 وبعد فأرجو أن يصل خطابى إليك اليوم الأحد مساء لنأخذ فتره فى التفكير والتأمل. مع أطيب تمنياتى،
س (سالم- سعد كامل)
 الأحد8 أبريل1979
 -فوجئت مفاجأة أفقدتنى توازنى، حتى كدت أسقط على الأرض كنت أشعر وكأننى أركب سيارة مسرعة، ثم شد السائق فراملها فجاءة وبكل قوة.
 وبعد أن أفقت من الصدمة الأولى، وبدأت أفكر، قررت أولاً أن أطلع الأخ ماهر على الأمر وأطلب رأيه.
  أرسلت ابنى يوسف إلى منزل ماهر القريب، وكان يوسف يعرفه، فذهب. وبعد قليل سمعت دقات عصا ماهر على السلم الخارجى للمنزل، ثم دخل ماهر وهو يرتدى معظفه فوق الجلباب. وما أن جلس واسترد أنفاسه، حتى ناولته خطاب سعد كامل. فقرأه بينما كنت أتابع تأثيره على وجه ماهر وملامحه. رأيته مندهشاً مذهولاً، ثم رأيته يتنفس بارتياح. ثم وضع الخطاب إلى جانبه وقال:
 -الحمد لله، الحمد لله. خير إن شاء الله، خير. ثم سكت لحظه وقال وعيناه تلمعان ببريق الفهم:
 -القصيدة. القصيدة. هذا هو رد الله ورسولة على قصيدتك، ألم أقل لك. هذه معجزة. وهذا هو أسلوب الله سبحانة وتعالى فى التصرف وفى فعل ما يريد. المفاجأة.
 اندهشت لسرعة صول ماهر إلى ما وصل إليه من النتائج، ثم سألته:
 -يعنى فى رأيك أروح المقابلة دى؟
 أجابنى بشكل قاطع:
 -طبعا لازم تروح. هذه دعوة من الله لك، وهذا باب يفتحه لك سبحانه للخروج من أزمتك. ولاشك أن عليك أن تسير فى الطريق الذى أراده الله لك.
 أردت أن أقاطعه بقولى:
 -ولكنى أخشى...
فقاطعنى قائلاً:
 - تخشى إيه... مفيش أخشى. هذه يد الله ممدودة لك. فلا تخش شيئاً. أنا أعرف السادات جيداً، فطالما أنه دعاك إلى بيته، وهو فلاح أصلاً، فلابد أنه سوف يكرم وفادتك. أما إذا رفضت الحضور، فسيطلب وزير الداخلية- النبوى إسماعيل- وسينزل فيه ضرباً بالشلاليت، ويأمره أن يقلب الدنيا ليحضرك إليه، ويحضر كل من يأويك، مكبلين بالحديد. كده ولا تروح معزز مكرم مع الشرقاوى بناء على دعوة رئيس الجمهورية؟
 ويضيف ماهر:
 -تذهب وتكلمه بكل قوة وشجاعة، فهو الذى دعاك، وأنت شخصياً لم تطلب شيئاً، فأنت الأقوى، ولكن الله تعالى أمر موسى وهارون، بأن يذهبا إلى فرعون الذى طغى، وأمرهما فى نفس الوقت بأن يقولا له قولاً لينا. لعله يتذكر أو يخشى.
 أنار لى كلام ماهر الموقف من جميع جوانبه، ثم انصرف مشكوراً بعد أن قلت له إننى سوف أعمل بمشورته.
 قمت فنظفت المنزل من الأوراق الحزبية، فحرقت ما حرقت، وأخفيت الباقى فى مخبأ تحت الأرض. وجمعت سهير ملابسى وأغراضى، وأقفلنا باب المنزل الصغير، وغادرنا حلوان فى السيارة الفيات الصغيرة التى كان يوسف يقودها.
 قضيت الليلة فى منزل حماتى السيدة توحيدة، وفى الصباح، بدأ وصول الإخوة والزملاء، وفقاً للترتيب الذى كنت قد أوصيت يوسف باتباعه.
  -حضر سعد كامل، وحمروش، ورشدى أبو الحسن، ثم حضر الشرقاوى. وبدأ اجتماعنا. طلبت من الشرقاوى أن يروى لنا قصة لقائه بالسادات. وحديثه معه بشأنى، فقد كنت أحاول أن تتضح براءتى بكل وضوح عن أى اتهام أو شك بأن ما حدث كان بعلمى أو بطلب منى. وأدرك الشرقاوى ذلك فحرص على تأكيده فى بداية حديثه.
ثم روى الشرقاوى الحكاية على النحو الذى كان قد أبلغه لحمروش، ونقله هذا فى لقائه بسعد كامل، فأثبته هذا فى خطابه إلى.
  ودارت مناقشة عادية حول هذه الوقائع، فى محاولة من الحاضرين، لاستنباط ما وراء هذه المسأله من عوامل، ولكنها لم تضف، لاهى ولا إجابات الشرقاوى، جديداً على الموقف. وانتهى الاجتماع بإيداء الحاضرين جميعاً، موافقتهم على ذهابى لهذا اللقاء، والتصرف خلاله بما يمليه الموقف من ملابسات.
...
 ذهبت إلى منزل الشرقاوى- بشارع الجيزه- فى تمام الساعة التاسعة صباحاً كما تم الاتفاق بيننا فى الأمس ، وكان موعد لقائنا- أنا وهو- مع السادات فى الساعه الحادية عشرة صباحاً، باستراحته الرئاسية بالقناطر الخيرية، حيث كان يقضى بها شطراً كبيراً من وقته.
 وجدت عند الشرقاوى شخصاُ لم أكن أعرفه من قبل، وإن لم تغب عنى ملامحه تماماً، وقدمه الشرقاوى إلى قائلاً:
 -إنه الأستاذ كامل العقيلى، الزعيم النقابى العمالى الشهير. وكان وقتها وزيراً للدولة. وعلمت من الشرقاوى أن كامل كان حاضراً فى حديث الشرقاوى  مع السادات عنى، وأنه أبدى رغبته فى حضور لقائنا به. غير أن الشرقاوى اتصل بسكرتارية السادات، وعرف منهم أن السادات لم يوافق على حضور العقيلى لهذا اللقاء، قائلاً: إنه لا لزوم له.
 نزلنا أنا والشرقاوى فى حوالى الساعة العاشرة صباحاً، وركبنا سيارة الشرقاوى التى كان يقودها سائقه،متوجهين إلى استراحة الرئيس بالقناطر، فبلغناها حوالى الساعة العاشرة والنصف.
 بعد مرورنا بالحواجز الأمنية، جلسنا أنا والشرقاوى فى غرفة ملحقة بمكتب الرئيس بالدور الأرضى. بعد جلوسنا بقليل دخل شخص عرفت أنه السيد حسنى مبارك، نائب رئيس الجمهورية وقتذاك، فسلم على الشرقاوى، وعلى- ثم جلس، وعلمت أنه ينتظر استدعائه لمقابلة الرئيس هو الآخر.
 تأخر نزول السادات عن موعده- من محل إقامته بالدور الأعلى، أكثر من ساعه. وعلمت أن هذه عادته فى اللقاء بزواره، وفى بدء مباشرة عمله. ثم خرج حسنى مبارك للقاء الرئيس وعاد بعد أن قابله، ولم يستغرق لقاؤه به أكثر من خمس دقائق. ثم دعينا نحن لمقابلة الرئيس.
 وجدناه جالساً فى حديقة الاستراحة فى ظل أشجار وارفة الظلال، وحوله حديقة غناء عامرة بالزهور اليانعه، المختلفة الألوان، وهناك على بعد قريب، كانت تبدو لى صفحة وجه النيل الجميل الباهرة. وتذكرت على الفور قول الله تعالى فى كتابه الكريم على لسان فرعون: "أليس لى ملك وهذه الأنهار تجرى من تحتى". صدق الله العظيم.
 رأيت شخصاً يجلس مع السادات، تبينت أنه المهندس عثمان أحمد عثمان، وكان فى هذا الوقت، هو أقرب شخص من السادات، كان صديقه، ووزيراً لديه، وكان صهره، إذ كان أحد أبنائه قد تزوج من إحدى بنات السادات، وكان واسع الثراء، وكان السادات يحب هذا النوع من الناس.
 وقفنا- فسلم السادات  على عبد الرحمن باهتمام، ثم سلم على وهو لا يكاد ينظر نحوى، وسلم علينا عثمان، ثم جلس السادات وهو يأمرنا بالجلوس:
  - أقعدوا.
 وجلست، وبدأ السادات يتكلم مع الشرقاوى كلاماً عادياً، وكأنه يكمل معه حديثاً كانا قد بدآه من قبل، وتركنى دون كلمة أو حتى نظره. جعلت أنظر إليه من قرب، فلاحظت شدة عنايتة بنفسه، وبصحته، وبملابسه. قد ممشوق معتدل، ليس فيه جرام واحد ناقص ولا زائد، وبشره ناضرة تجمع بين السمرة- شبه السودانيه، والحمرة القانية، حتى لقد بدت لى بنفسجية اللون. بدلة بالغة الآناقة، قرنفلية اللون، وقميص وربطة عنق بالغى الإتقان، فى تفصيلهما، بالغى الأناقة فى لونهما.
 بعد أن استنفد السادات غرضه من الحديث مع الشرقاوى، وإهمالى، التفت إلى قائلاً:
 - هو ده بقى المتهم الهارب؟ أديك جيت لحد عندى، مانتش خايف؟
 أجبته بثقة وثبات:
  -لأ مش خايف، أخاف من إيه.. انت طلبت منى الحضور، وأنا جيت بناء على طلبك.
 قال السادات وهو يشير إلى مبنى كبير يبدو على بعد قريب:
 - ده سجن القناطر، مش خايف منه؟
قلت له بلهجة عادية، لا هى بالخائفة، ولا الساخرة:
 -عارفه كويس، وحافظه صم. وعشت فيه كتير. وهوه أرحم من الهروب على كل حال.
 قال السادات وكأنه يتذكر أيام هروبه هو:
 -ده صحيح، السجن أرحم من الهروب. ما أنا مجرب وعارف.
ثم قال وهو يغير مجرى الحديث:
 - هربت قد إيه؟
قلت له: - سنتين وشهرين.
 فأجاب بدهشة: -ياه- ده كتير أوى، أنا هربت ست أشهر، طلعت فيهم روحى.
ثم حول مجرى الحديث قائلاً:
 -وقعدت فين طول المدة دى؟ فأجبته:
 -قعدت فى حتت كتيرة، ما انت عارف إن الهارب لازم يتنقل من مكان لآخر.
 فسألنى بمكر: - وقعدت عند الشرقاوى قى إيه؟
فأجبته بجدية:
-ما قعدتش عنده خالص. لأن اللى يهرب مايقعدش عند حد من قرايبه، أو أصدقاءه.
 ففاجأنى بسؤال غريب:
- طب ماجيتش هربت عندى ليه، طب والله العظيم لو كنت جيت عندى كنت خبيتك. وبدت عليه علامات الجد فى هذا الكلام.
 فأندهشت وأجبته: -استخبى عندك من مين؟ -منك؟
 فأبتسم وكرر قوله:
 -والله العظيم كنت خبيتك.
تذكرت ماكنت قرأته فى مذكرات بابلو نيرودا، شاعر شيلى العظيم، حين روى أن رئيس الجمهورية- وكان من المعجبين بشعره، دعاه مرة للعشاء معه، فلبى الدعوة، وبعد انتهاء العشاء طلب منه أن يتلو عليه شيئاً من شعره، ففعل. ثم فوجئ بابلو برئيس الجمورية يجهش  بالبكاء، فلما ساله عن سبب بكائه قال:
 -أنا أسف يا بابلو، لأننى مضطر للسماح بالقبض عليك!
ثم انتقل السادات بالحوار إلى شئ آخر، قال لى:
 -صارحنى يا محمود، لماذا شاركت فى الانتفاضة؟
وابتسمت وأنا أنظر إلى الشرقاوى، الذى تصدى للسادات قائلاً:
 -ياريس محمود لم يشترك فى شئ لقد كان معى فى مكتبى وشارك معى ومع كل من كانوا فى الدار فى الدفاع عنها ضد الجماهير الغاضبة.
وانبرى السادات قائلاً للشرقاوى بغضب:
 -اسكت انت يا عبد الرحمن، أنا عارفك، الشيوعيين يضحكوا عليك، وأنت تيجى عايز تضحك على. قال له الشرقاوى على الفور:
 -ياريس أنا ماحدش يقدر يضحك على. أنا منوفى ياريس.
ابتسم السادات، ثم التفت نحوى قائلاً:
 -يعنى أنت ما اشتركتش فى انتفاضة الحرامية؟
ضحكت وأنا أقول له:
 -ياريس بص لى كويس، هل أنا شكلى قدامك شكل حرامية؟
فضحك السادات وقال:
 -يعنى المباحث جابت أساميكم منين؟من القوائم؟
قلت له: -طبعاً من القوائم، كل أسامى الشيوعيين المتهمين فى القضية دست زوراً واستخرجت من القوائم.
فهز السادات رأسه بتسليم وقال:
 -أنا مصدقك، ما أنا عارف إن المبارحث بتاعتى خايبة.
ثم سكت، فانتهزت فرصة صمته وقلت له:
 -تسمح لى ياريس، انت أكرمتنى بدعوتك لى للقائك، وأحبان أن أردلك الجميل بأن أوجه إليك نصيحة صادقة.
 فرفع السادات حاجبيه مندهشاً وسألنى:
 -نصيحة؟ نصيحة إيه؟ قول..
 قلت له:
 -انصحك بسحب هذه القضية، إن الاعتراف بالحق فضيلة، وهذه القضية ملفقة. وأنا أقول لك، وأنا محامى، إن هذه القضية التى تنظر الآن أمام المحكمة، هى قضية ملفقة، وسوف تحكم المحكمة فيها ببراءة المتهمين. ومن مصلحتك أن تحفظ بقرار منك، لا بحكم المحكمة.
 انتفض السادات غضباً. وهو يقول:
 -أسحب القضية! وأقول للناس إيه بعد كل ما حصل؟
 ثم عاد يقول:
 -أيوه يمكن فيه ناس دخلوا فى القضية غلط، وأنا مستعد أن أصدر عفواً عنهم، إيه رأيك، انت تعمل لى كشف بكل أصدقائك الذين تعرف أنهم لم يشتركوا فى الانتفاضة، وأنا أصدر أمراً بالعفو عنك وعنهم.
 قلت له بصوت ارتفعت نبرته:
 -آسف ياريس، أنا لا أكتب كشوفاً. وإذا كان لابد أن أقدم لك كشفاًن فأنا أقدم لك الآن كشفاً بأسماء كل المتهمين فى القضية وأطلب منك، لمصلحتك أن تأمر بالعفو عنهم جميعاً.
 استاء السادات من كلامى، ثم عاد وكرر عرضه على بأن أكتب كشفاً بأسماء أصحابى ليصدر فوراً أمراً بالعفو عنهم. ورفضت طبعاً وقلت له:
  -لو كتبت لك كل الأسماء، ماعدا أسماً واحداً، فكأننى أنا الذى أحبسه.
 انتهى الحوار عند هذا الحد، وقال السادات:
 - على كل حال أنا هاشوفك تانى، بس فكر فى الكشف اللى أنا قلت لك عليه. فقلت له:
 -وسيادتك تفكر فى سحب القضية كلها.
وأنهى السادات الحديث بقوله:
  -عايز أقول لك إن المرحوم يوسف صديق- عمك- كان صاحبى وغالى على، وقبل ما يموت بعث لى جواب يوصينى فيه على ولاده، وهو الجواب ده عندى هنا، ممكن أوريه لك لو حبيت. لذلك فأنا هأصدر أمر دلوقت أنك تروح بيتك، وإن المباحث لا تتعرض لك.
 ثم ضغط على جرس أمامه، فهرع إليه شخص من مكتبه، فقال له:
 -يا فلان (اسمه)، كلم النبوى إسماعيل دلوقت، وقل له إن محمود معايا دلوقت، وأنا قلت له يروح بيته، وقل له ماحدش يتعرض له.
 قلت للسادات وأنا أتأهب للانصراف:
 -متشكر ياريس، بس أنا هاتقدم للمحكمة، وهى تفعل معى ما تشاء.
 وقمت أنا والشرقاوى، وخرجنا وركبنا سيارته منصرفين دون أن يتعرض لنا حرسه. وفى الطريق رويت للشرقاوى أن عثمان أحمد عثمان كان مشتركاً معنا فى الحوار، ذلك أنه كان يجلس إلى جوارى، ويبدو أنه كان معجباً بالحوار ومنفعلاً به، فقد كان كلما احتدمت المناقشة يغمزنى بيده من تحت المنضدة إشارة لى بعدم الانفعال، كما كان يرسل لى إشارات تهدئة بعينيه من حين لآخر.
 وافقنى الشرقاوى على ذلك، وقال لى:
 -انت احتديت على السادات أكثر مما احتد هو عليك. ولو كنا مع عبد الناصر، لما خرجنا من عنده- أنا وأنت سالمين. وقال لى فيما بعد إنه التقى بعثمان، فقال له عثمان عنى كلاماً طيباً، وقال له إنه بعد انصرافنا أنا وهو فى ذلك اليوم، علق السادات على كلامى معه قائلاً:
 -شايف يا عثمان.. شايف الرجالة؟- أنا عايز رجالة زى ده.
 ...
 ظل لقائى أنا والشرقاوى ماثلاً فى ذاكرتى حتى الآن. وظل معه ماثلاً فى وجدانى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه: "من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، أو كما قال، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق