ذكريات شاعر مناضل: 43- فى النضال من أجل الجبهة..ولقاء مع الرئيس

43- فى النضال من أجل الجبهة..ولقاء مع الرئيس

كان نضالنا تحت راية اليسار الوطنى، يدور حاسماً ومتواصلاً على المستويين الفكرى والسياسى، ضد اليسار المتطرف والطفولى، والمغامر، وفى نفس الوقت بدأ نضال آخر من أجل الدعوة إلى إقامة الجبهة الوطنية الديموقراطية، لتكون إطاراً ووعاء للنضال الوطنى فى مختلف مجالاته وجبهاتة.
  وكان الشرقاوى- العظيم قد بذل جهداً خارقاً فى هذا السبيل، فتوالت مقالاته الرائعة فى جريدة الأهرام، داعية إلى هذه الجبهة، وموضحة لفكرتها، ولأهميتها وضرورتها الحتمية لصيانة الجهود الوطنية من التبدد والتشرذم والضياع.
 مقالات رائعة تحت عناوين قارعة لأسماع والإفهام، مثل: لكيلا يندم أحد، هكذا فلتتحاور الآراء، لا تصدقوهم أبداً، لا وقت ولا مكان للصغائر، سيجعل الله بعد عسر يسراً، ولابد من الجبهة... إلخ.
  كان الشرقاوى يعيد ويبدى فى هذه الدعوة الصادقة إلى إقامة هذه الجبهة- الضرورة- فى وجه مقاومة طائشة ضاربة، تأتيه مرة من يساره- من اليسار المغامر، ومرة من يمينه- من اليمين الرجعى المتسلابل بلباس الدين. وكان هو صابراً صامداً لا يتزعزع.
 وهنا وجدت لزاماً على، أن أنزل إلى ساحة هذا النضال الحيوى - بأسمى وبأسم زملائى وبأسم اليسار الوطنى عموماً، فكتبت مقالاً ضافياً نشر فى جريدة الأهرام فى صفحة كاملة يوم 1985/9/14 بعنوان "اليسار المصرى والجبهة الوطنية" - وكتب له الشرقاوى مقدمة بليغة أشار فيها إلى أهمية الحوار والتحاور حول موضوع الجبهة، وقال فيها: "ونبدأ اليوم بنشر رأى الأستاذ محمود توفيق، المناضل الوطنى، والمحامى، والشاعر، وأمين عام اللجنة المصرية لتضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، وأحد أقطاب اليسار".
  ثم توجه المقال إلى إيضاح فكرة الجبهة وأهدافها، وإلقاء الضوء على مختلف أبعاد هذه الفكرة وعناصرها. وجاء فى عناوينه الفرهية ما يلى:
  - البعد القومى للجبهة الوطنية.
  - الشرقاوى والموقف الجبهوى.
  - لماذا رفض حزب التجمع الجبهة؟
  - من هم أعداء الجبهة؟
  - الجبهة الوطنية ضرورة حتمية.
  وانتهى المقال بخلاصة جاء فيها:
   - وليكن اقتراح عبدالرحمن الشرقاوى بإقامة الجبهة الوطنية المصرية، والجهد المخلص والصادق الذى قدمه فى هذا الصدد، بداية حقيقة لميلاد جبهة وطنية مصرية شامخة، وليكن قيام هذه الجبهة بداية مرحلة مشرقة فى تاريخ العمل الوطنى من أجل مصر.

  أثار مقالى عن "اليسار المصرى والجبهة الوطنية" ردود فعل واسعة النطاق، فعلق علية الكثيرون فى مختلف الصحف والمجلات، وفى اللقاءات والاتصالات التى جرت معى، بتعليقات إيجابية مشجعة.ودعيت لإلقاء محاضرة عن موضوع الجبهة فى مقر حزب العمل الاشتراكى فى منطقة حدائق القبة، شارك فيها أيضا، موضحاً ومشاركاً، الكاتب الكبير والمفكر الشهير المرحوم الدكتور فرج فودة، وكان ذلك قبل فترة قصيرة من استشهادة على يد إرهابيين من أدعياء الدين.
 كما واجهت بسبب ذلك المقال العديد من المتاعب من عناصر التجمع، كان منهم الأخ محمد سيد أحمد، المتطرف اليسارى المعروف، عضو التجمع، وذلك حين عمد إلى التصادم معى فى أحد اجتماعات المكتب السياسى للجنة المصرية للتضامن التى كان عضواً فيها.
 وانخرطت جريدة الأهالى- لسان حال حزب التجمع، فى الهجوم على المقال وعلى كاتبه، وعلى الشرقاوى، وشارك فى هذا الهجوم العديد من أقطابه من رفعت السعيد، وحسين عبدالرازق- وغيرهما. كما شارك فيه- بمقال طويل- الدكتور فؤاد مرسى، عضو قيادة التجمع، وزعيم حزب الراية الشيوعى سابقاً- المسمى سابقاً بالرفيق خالد، حيث استعرض فى مقالة، بلاغته اليسارية المعهودة، والتى كنا قد أوشكنا على نسيانها، فى التهجم علىّ، فى تجريحى أنا والشرقاوى- على حد سواء.
...
لقد كانت الأسباب الحقيقية لخلافنا مع اليسار المغامر، ومع التجمع بصفة خاصة، عديدة وعميقة الجذور، غير أنها تجسدت فى النهاية حول موضوع رئيسى، هو ضد من تتشكل هذه الجبهة. أما نحن- اليسار الوطنى- ومعظم القوى الوطنية الديموقراطية، فكانت ترى أن هذه الجبهة تتشكل من هذه القوى، ضد الاستعمار وأعوانه، وضد القوى الرجعية المعادية للشعب، ومن ثم فإن الحكومة والنظام القائم- نظام حسنى مبارك، مدعوة للمشاركة فى هذه الجبهة، باعتبارها من القوى الوطنية. أما اليسار المغامر والطفولى- الذى يمثله حزب التجمع، فكان يرى أن هذه الجبهة يجب أن تقف ضد النظام والقوى التى تقف معه، باعتباره نظاماً خائناً وعميلا للاستعمار. وكان ذلك الخلاف، خلافاً جوهرياً وخطيراً، ووخيم العواقب، بل كان عقبة كأداء فى طريق قيام الجبهة.
....
 واستمر نضالنا من أجل قيام الجبهة، بكل الوسائل التى كانت متاحة لنا- أستمر لسنوات، واستمر معه الخلاف والصراع بيننا- اليسار الوطنى- وبين التجمع وأعوانه وممثليه.
 ثم حدث بعد ذلك تطور إيجابى هام فى الموقف، ففى 11 سبتمبر 1985، التقى الشرقاوى مع الرئيس حسنى مبارك، وتناول الحديث بينهما، فيما تناول- موضوعى الجبهة الوطنية واليسار الوطنى، وجاء ذكرى فى هذا الحديث، ثم تلقيت من الشرقاوى فى نفس اليوم الرسالة التالية:
 - بسم الله الرحمن الرحيم. عزيزى الأستاذ محمود ..
 تليفونك معطل.
 المقابلة عظيمة جداً .. موعدك مع السيد الرئيس غداً الخميس فى قصر العروبة الساعة 12 ظهراً .. يوم 1985/9/12 .. ألخ.
...
 وفى الموعد المحدد توجهت إلى قصر العروبة، وقابلت الرئيس حسنى مبارك.
 استقبلنى الرئيس بحفاوة ومودة بالغتين. وجلس معى منفرداً فى أحد الصالونات الأنيقة بالقصر. وكانت هذه أول مقابلة منفردة بيننا، واستمرت لمدة ساعة جرى فيها الحديث والحوار سلساً فى جو ودى.
 - بدأ حديث الرئيس بالترحيب بى، وبتذكيرى بأنه قد رأنى من قبل أثناء لقائى أنا والشرقاوى بالمرحوم الرئيس أنو السادات.
 - تطرق الرئيس إلى ذكر معاناته وعنائه من ضغط العمل، وكثرة المسئوليات والمشغوليات.
 - ثم انتقل إلى الشكوى من الإساءات التى يتلقاها من قوى وعناصر المعارضة، وخاصة من حزبى التجمع والوفد، وأن الوفد يعمل على إسقاط نظامه وهو يظن أن ذلك سيجعله يتولى الحكم، وأن هذا وهم كبير، لأنه فى حالة سقوط نظامه سوف يثب العسكريون إلى السلطة.
- ثم تحدث عن بعض المشكلات التى كانت مثارة فى ذلك الوقت، منها مشكلة مجارى الإسكندرية، وأنها مشكلة قديمة منذ إنشاء شبكة مجارى الإسكندرية فى سنة 1904. وأن حل هذه المشكلة يحتاج إلى وقت وأموال كثيرة. ومع ذلك فالمعارضة تحمل النظام القائم مسئوليتها.
 - ثم شكا من هجوم حزب التجمع على تشكيل الوزارة الجديدة برياسة على لطفى، بحجة أنه رجل غنى، وهو لا يرى فى ذلك عيباً، وأن الرجل لم يقبل هذا التكليف إلا بعد ضغط من الرئيس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق