ذكريات شاعر مناضل: 36- الجريمة والعقاب

36- الجريمة والعقاب


جاء شهر أبريل سنة 1977، وأفرج عن المحبوسين على ذمة القضية تباعاً، وكان منهم زملاء التكتل: ناشد وأبو زيد، وأخرون: أما نحن الهاربون، أنا وأحمد وآخرون، فقد استمرينا فى الهروب والاختفاء.
 وما أن أفرج عن زملاء التكتل، والتأم شملهم مع زملائهم الآخرين، إبراهيم، ومعاوية، وعصام، وشاكر، حتى بادروا إلى استئناف نشاطهم التخريبى، ومعاودة ألاعيبهم ومؤامراتهم، لتعميق التكتل، وفرض الانقسام.
 -فوجئنا بصدور قرار من قيادة التكتل بتصعيد ستة رفاق من أعضاء اللجنة المركزية، من أتباعهم، إلى المكتب السياسى، كان منهم سيف صادق- من جماعة ناشد، وشيخ العرب- محمد على عامر،من جماعة شاكر، وكان منهم حسين عبد الرازق، وفريدة النقاش، الذين كانا أصلاً من مجموعتنا ولكنهما انضما إلى التكتل، بعد أن استطاع التكتليون استقطابهما، بإغرائهما بعضوية المكتب السياسى، وبمواقع فى حزب التجمع الذى كانوا يسيطرون عليه بواسطة معاوية
 -رفعت السعيد. وكان منهم شخصان آخران.
 وأخطرنا بذلك، أنا وسالم وعاصم، فبادرنا بالاعتراض على هذا التصعيد المشبوه، واتندنا فى اعتراضنا هذا على أسباب عديدة، منها:
 -إن هذا الإجراء متخذ من جانب واحدن ولم يؤخذ رأينا وموافقتنا علية كجزء من القيادة الحزبية الشرعية، كما أنه مخالف لاتفاقات الوحدة، ومن ثم فهو غير ملزم لنا، ونحن لا نعترف به.
 -إن هذا الإجراء، فجاء فجأة ودون مناقشة سابقة، وتحيط به شبهات التكتل والانقسام، كما تتضح فيه دوافع الرشوة وشراء الذمم.
 -إن هذا الإجراء ليس له أى مبرر ن مصلحة العمل أو احتياجاته، مما يقطع بأنه لا يرتبط إلا بمخطط مدبر لفرض الانقسام على الحزب.
 وقد أبلغنا وجهة نظرنا هذه إلى قيادة التكتل بكل الطرق والوسائل، وأنذرناها، بأننا لن نشترك فى أى عمل يشارك فيه هؤلاء الزملاء الذين تم تصعيدهم، وطالبنا بسحب قرار التصعيد، غير الشرعى، هذا.
 ولكن قطار الانقسام كان قد سار فى طريقة دون أى أناه أو تبصر، فما هى إلا أيام أخرى، حتى فوجئنا ببيان صادر من التكتل، باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعى المصرى، بفصل الزملاء: هاشم، محمود توفيق، وسالم، سعد كامل، وعاصم، رشدى أبو الحسن: أعضاء المكتب السياسى فى الحزب، ومعهم أحمد، عضو اللجنة المركزية فيه والذى كان فى الأصل من مجموعة ناشد. وكان هاشم، وسالم، وعاصم، هم الأعضاء الثلاثة الممثلون لمجموعتنا، فى المكتب السياسى، طبقاً لاتفاقات الوحدة.
 وبهذا الإجراء، وصل قطار التكتل والانقسام إلى محطته الأخيرة، دفن العمل المشترك تحت تراب الخلافات السطحية. وكنت أشعر بأن مسلك هؤلاء الرفاق إنما يعبر عن شعور بالضعف والعجز، أكثر منه بالقوة والثقة، ولهذا تعمدوا هدم المعبد على رءوس الجميع، بدلاً من العمل الإيجابى البناء على ترميمه ودعم بنائه.
 -وراودتنى فكرة عجيبة أخرى، هى أننى حمدت الله على أن حزبنا هذا لم يكن قد وصل إلى السلطة، وتصورت أنه لو كان حدث ذلك، وكانت مقاليد الحكم قد وصلت إلى أيدى هؤلاء الرفاق، إذا فقد كان من المحتم أن تنتهى مصائرنا. ومصائر الكثيرين، إلى التعليق على أعواد المشانق، كما حدث وتكرر فى العديد من الأحزاب الشيوعية والثورية الأخرى، كما قرأنا وعرفنا من التصفيات الدموية التى كانت تحدث فى مثل تلك الاحزاب.
  -وأخيراً فقد تملكنى الأسف والعجب، لأن تكون الخلافات فى الرأى، هى السبب الحقيقى، أو المصطنع، لمثل هذه الصراعات، التى كانت تجرى دائماً بين أصدقاء وزملاء، انقلبوا بسببها إلى أعداء ألداء.
 وتذكرت مقولة الإمام على رضى الله عنه، التى كان يقول فيها: لم تترك كلمة الحق لى صاحباً.
...
 هكذا نال الإخوة ما كانوا يرغبون فيه، وانتهت قصة الكفاح المشترك بيننا وبينهم، الكفاح من أجل بناء حزب، وتحرير وطن، وإسعاد شعب.
 ومضى كل فى طريقه. أما نحن فسوف تكشف الصفحات التالية، ماحدث لنا وأما هم، فهذا بعض ما حدث معهم.
 -بعد عام واحد تقريباً انفض التحالف والتكتل بين المجموعتين، مجموعة ناشد، ومجموعة شاكر، ووقع الانقسام بينهما.
 -أما مجموعة شاكر، فقد انقطعت أخبارها تماماً، ولم يعد أحد يسمع لها صوتاً بعد ذلك الحين.
 -وأما مجموعة ناشد، فقد ظلت تتخبط وتتدهور أوضاعها، ودبت فى داخلها الانفجارات المتتالية، حتى فوجئنا منذ سنوات طويلة بصدور بيان عن أخ هو الأستاذ صلاح عدلى، بصفته الممثل "للحزب السشيوعى المصرى"، يهاجم فيه قيادته، ويعلن فيه الإنشقاق عنها والاستقلال بتمثيل الحزب، ويفضح فيه ممارسات تلك المجموعة ناسباً إليها العديد والعديد من الفضائح، السياسية، والتنظيمية والمالية. وتدل الظواهر على أن هذه المجموعة قد انقطع دابرها تماماً.
 -وأما عن حزب التجمع، الذى كان شبحاً من أشباح التكتل السابق، فما زال يحيا حتى الآن، ولكنها حياة كالموت، إذ أنه مازال ينحدر يوماً بعد يوم إلى درك التبعية والذيلية، وإلى مستنقع الفشل، ويوجه الانقسامات والانفجارات الداخلية المتتالية.
 -وهكذا فإننى أصبحت أرى ما حدث لنا على يد هذا التكتل، ما كان إلا عقاباً لهم، وجائزة لنا. جائزة على أخلاصنا وحسن نوايانا.
...
 اعتبرنا أن هذا القرار بفصلنا هو فسخ لاتفاق الوحدة التى تمت بين مجموعتنا ومجموعتى ناشد وشاكر، كما اعتبرنا أن فسخ هذا الاتفاق يعنى العودة إلى الأوضاع التى كانت قائمة قبل الوحدة، ومن ثم فقد كان قرار فصلنا يعنى- بشكل تلقائى- عودتنا إلى ممارسة نشاطنا الحزبى المستقل.
 وعلى ذلك فقد اجتمعنا نحن الأربعة لمناقشة الوضع، وللأتفاق على ترتيب عملنا وعلى كيفية مزاولة مسئوليتنا. وتوالت اجتماعاتنا بعد ذلك باعتبارنا الهيئة القيادية المسئولة عن نشاط مجموعتنا. وكانت الاجتماعات تتم إما فى مقر إقامتى، وإما فى أماكن أخرى يتولى سالم تدبيرهان إما فى القاهرة أو فى مناطق ريفية بعيدة، عن طريق معارفه من العاطفين والأصدقاء.
 زاتفقنا على توزيع المسئوليات كالآتى: هاشم- أنا: المسئول السياسى، سالم - سعد كامل: مسئول الدعاية والعمل الجماهيرى، عاصم- رشدى أبو الحسن: مسئول التنظيم. واتفق على أن يتولى الرفيق أحمد- عبد القادر شهيب: مسئولية الاتصال، والجهاز الفنى وأن يتم الاتصال به فردياً عن طريق عاصم، بسبب ظروف هروبه واختفائة.
 كلفت - بصفتى المسئول السياسى، بكتابة تقرير مستفيض عن الأزمة والأنقسام المتمثل فى قرار الفصل الصادر بحقنا من المجموعة المتكتلة. وقد قمت بكتابة التقرير عارضاً فيه وجهة نظرنا، ومحملاً الطرف الأخر كامل المسئولية عن الانقسام. وقد تمت طباعة هذا التقرير، وجرى توزيعه بواسطة زملاء مجموعتنا على أوسع نطاق ممكن، وكان له أثره الكبير فى كشف المؤامرة الانقسامية. كما كلف الزميل سالم بإصدار مجلة سرية حزبية باسم "الجرس"، فأصدرها بمعونة عاصم وبعض الرفاق من مجموعه الكتاب والفنانين التى كان يتولى مسئوليتها. وظلت "الجرس" تصدر بانتظام كل شهر، على مدى عامين كاملين، وكنت أنا أكتب فيها مقالاً شهرياً عن الأوضاع السياسية وتطروتها فى البلاد.
 وكلف سالم بمسئولية الدعاية، والعمل الجماهيرى، إلى جانب مسئوليته عن إصدار "الجرس"، وإلى جانب مسئوليته عن النشاط فى وسط الفنانين والكتاب. وكان نشاطاً واسعاً فى ذلك الحين.
 وكلف عاصم بالأعمال التنظيميه، كما كلف أن يقوم- بمعاونة أحمد والرفاق العاملين معه، بإنشاء جهاز فنى، لطباعة كل التقارير والنشرات التى يصدرها التنظيم، وبطباعة مجلة "الجرس"، فقاما بتلك المسئولية على خير وجه.
 لجأنا فى تنظيم النشاط إلى الاعتماد على الاتصالات واللقاءات الفردية بقدر الإمكان، وذلك مراعاة لظروف الأمان، ولطبيعة الزملاء الذين كان يتكون منهم معظم هذا النشاط، وأوضاعهم، إذ كانوا من الكتاب والصحفيين والفنانيين، وكان العمل معهم يقتضى أسلوباً خاصاً فى الاتصال والتعامل.
 وهكذا بدأت مجموعتنا عملها مرة أخرى، بعد وقوع جريمة الانقسام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق